[أحكام المسابقة بالجعل]
قال: [فإن كان الجعل من غير المستبقين جاز].
يعني: الحالة الأولى أن يكون الجعل من غير المتسابقين جاز ذلك.
قال: [وهو للسابق منهما؛ لأنه إخراج مال لمصلحة، فجاز أن يكون من غيرهما، كارتباط الخيل في سبيل الله عز وجل ويكون للسابق منهما؛ لأنه ليس بقمار، وإن كان العوض من أحدهما فسبق المخرج أو جاءا معاً أحرز سبقه ولا شيء له سواه].
الحالة الثانية: أن يكون الجعل من أحد المتسابقين فقط والثاني لا يدفع، فهذا جائز؛ لأن الطرف الثاني لا غرم عليه فإن فاز الذي أخرج يأخذ ما أخرجه.
قال: [أما إذا جاءا معاً فلا شيء لهما؛ لأنه لم يسبق واحد منهما، وإن سبق المخرج أحرز سبقه ولم يأخذ من الآخر شيئاً؛ لأنه لو أخذ شيئاً كان قماراً، وإن سبق الآخر أحرز سبق صاحبه؛ لأنه ليس بقمار].
القمار هو أن يكون المغرم والمغنم في الطرفين.
قال: [وإن أخرجا جميعاً لم يجز].
هذا هو القصد، والشيخ ابن عثيمين يخالف، لكن هذا رأي جمهور العلماء، إن أخرجا جميعاً لم يجز، يعني: أنت أخرجت ألفاً وأنا أخرجت ألفاً، وتسابقنا، وأينا يسبق يأخذ الألفين فهذا محرم؛ لأنه قمار؛ لأنني إما أن أصيب مغرماً وإما أن أغنم، والآخر إما أن يغرم وإما أن يغنم، فالأمر فيه مقامرة للطرفين.
قال: [وإن أخرجا جميعاً لم يجز؛ لأنه يكون قماراً، إلا أن يدخلا بينهما محللاً].
هذا رأي جمهور العلماء.
مثال ذلك: أحمد يسابق إبراهيم، كل على جواده، وجعل أحمد جعلاً ألف جنيه، وجعل إبراهيم جعلاً ألف جنيه، فلو تسابقا هما فقط فهذا قمار ولا يجوز إلا إذا حلل السباق بأن يدخل بينهما ثالث ونسميه محللاً، وليكن في ذهنك أن المحلل تيس مستعار في الزواج لا يجوز؛ لأن البعض في بلادنا يمضي على قسيمة زواج باعتباره محللاً، ويمضي على قسيمة طلاق في آن واحد، فيتزوج ويطلق على اعتبار أن يحللها لزوجها الأول فقط، هذا هو النية، وهذا زواج باطل لا يجوز: (ولعن الله المحلل والمحلل له) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
لكن المحلل في سباق الخيل يجوز بشروط: أولاً: أن يدخل بفرس يكافئ فرسيهما، والمعنى: أنا يكون معي فرس سرعته سبعون كيلو متراً في الساعة، وأحمد معه فرس سرعته سبعون كيلو متراً في الساعة، فعندها لا يدخل المحلل بفرس سرعته عشرة كيلو مترات في الساعة، فإنه يكون قد دخل بفرس هزيل، ويعرف أنه في هذه المسابقة فاشل فاشل، ولكنه أراد بدخوله التحليل، فهذا لا يجوز، إن دخل للتحليل فقط لا يجوز، لابد أن يدخل وهو يكافئهما في السرعة، ويمكن له أن يفوز ولا يدفع شيئاً.
الشرط الثاني: ألا يدفع فهو قمار.
إذاً: عندي ثلاثة أطراف: اثنان هما اللذان دفعا، والثالث (المحلل) لم يدفع.
قال المصنف: [وإن أخرجا جميعاً لم يجز؛ لأنه يكون قماراً إلا أن يدخلا بينهما محللاً وهو ثالث لم يخرج، يكافئ فرسه فرسيهما أو بعيره بعيريهما أو رميه رميهما؛ لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أدخل فرساً بين فرسين وهو لا يأمن أن يسبق فليس بقمار، ومن أدخل فرساً بين فرسين وهو آمن أن يسبق فهو قمار)].
يعني: هو داخل في السباق ويعرف أنه خاسر، فهذا قمار؛ لأن العبرة بالمقاصد، ومقصد المحلل هنا أن يحلل السباق، وليس مقصده أن يدخل في السباق.
يقول الشيخ ابن عثيمين: المحلل ليس من الشرع، وإنما يوهم المتسابقين أن يتسابقا على جعل من كل واحد منهما؛ لأن المحلل يناقض الأصول الشرعية، فإن فاز المحلل أخذ من الاثنين، وهو إذا خسر لم يخسر شيئاً، إذاً: هو غير متكافئ معهما لا في الإخراج ولا في الخسارة.
قال: [فإن سبق المحلل أحرز سبقيهما بالاتفاق، وإن سبق أحد المتسابقين وحده أحرز سبق نفسه وأخذ سبق صاحبه، ولم يأخذ من المحلل شيئاً].
يعني: إن سبق الأول يأخذ ألفي جنيه: الألف التي هي له، والألف الأخرى التي هي للآخر، والمحلل لا يخسر شيئاً.
[وإن سبق أحد المتسابقين والمحلل].
يعني: وصل الأول والمحلل في وقت واحد.
قال: [أحرز السابق مال نفسه، ويكون سبق المسبوق بين السابق والمحلل نصفين].
والمعنى: أن المحلل وصل مع السابق الأول في وقت واحد، إذاً السابق يأخذ الألف جنيه التي هي له، والألف جنيه التي هي للمسبوق تقسم بين المحلل وبين الذي سبق.