للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أحكام الإحصار والفوات]

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين، ثم أما بعد.

فلا زلنا مع باب الفدية في كتاب الحج والعمرة من كتاب العدة شرح العمدة للإمام موفق الدين بن قدامة المقدسي الحنبلي رحمه الله تعالى.

كنا قد تحدثنا عن محظورات الإحرام وعن الفدية، وذكرنا بأن محظورات الإحرام تسعة وهي: ١ - حلق الرأس.

٢ - تقليم الأظافر.

٣ - الطيب في بدنه أو ثوبه.

٤ - لبس المخيط.

٥ - تغطية الرأس والأذنان منه.

٦ - قتل الصيد البري الوحشي المباح.

٧ - الوطء والمباشرة بدون جماع.

٨ - عقد النكاح لنفسه أو لغيره.

٩ - الوطء في الفرج.

هذه محظورات تسعة، وكل محظور له فديته، ونحن الآن نتحدث عن المسألة التي قال عنها المؤلف: (وفدية الجماع بدنة) فلو أن رجلاً جامع زوجته وهو محرم قبل التحلل الأصغر يلزمه أربعة أشياء: ١ - أن يتم النسك.

٢ - أن يقضي من قادم.

٣ - عليه بدنة، وحجه فاسد.

٤ - إذا لم يستطع أن يذبح بدنة فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع.

ثم قال المؤلف: [وكذلك الحكم في دم الفوات] الفوات هو: أن يفوته الحج ليس بسبب الإحصار، فكل إحصار فوات، وليس كل فوات إحصاراً، فما هو الإحصار وما هو الفوات؟ الإحصار شيء يمنعه من أداء النسك كعدو، أو يحول بينه وبين دخول مكة كشرطة ترحله {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:١٩٦]، فالذي حال بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أداء العمرة المشركون في صلح الحديبية، وهذا إحصار؛ لأن الذي حال بينه وبين مكة عدو، أي: أن الإحصار هو أن أُمنع عن البيت رغم إرادتي.

أما الفوات: فهو أن يفوتني الحج لمرض، فهنا فوات وليس إحصاراً، لأنه لم يمنعني أحد، وربما يفوتني الحج لنوم في منى ولم أستيقظ إلا في يوم النحر، أي: أن عرفة فاتتني، وربما يفوتني ركن من أركان الحج ولا أستطيع أن أحصّله، فهذا يسمى فواتاً، فكل إحصار فوات، وليس كل فوات إحصاراً.

قال: [وكذلك الحكم في دم الفوات] بمعنى أن من فاته الحج فعليه دم، فإن لم يستطيع {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة:١٩٦] قال: [لأن عمر رضي الله عنه قال لـ هبار بن الأسود لما فاته الحج: إذا كان عام قابل فحج، فإن وجدت سعة فاهد، فإن لم تجد فصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعت إن شاء الله].

فلو أن رجلاً لبى بحج وأدى المناسك، ثم نام في منى في ليلة التاسع من ذي الحجة، وظل نائماً إلى يوم النحر، فهنا فاته الحج؛ لأنه فاته ركن، فنقول له: اهد -أي اذبح- وإن لم تستطع فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعت، وعليك القضاء من قادم.

قال: [وعنه] أي رواية أخرى عن أحمد [لا هدي عليه] والصواب أن عليه الهدي [والأول أصح لأنه قول عمر وجماعة من الصحابة، وعنه: لا قضاء عليه إن كانت نفلاً] والراجح أن عليه القضاء؛ لأن الله قال: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:١٩٦] والمعنى: إذا بدأتم في نسكها فلا بد أن تتموها، فعليه القضاء من قابل.

هذا الراجح من أقوال العلماء.

إذاً: الفوات هو من فاته الحج أو ركن من أركان الحج لا بسبب الإحصار، إنما بسبب النوم أو بسبب عذر، فنقول له: عليك الهدي، والهدي هو أن يذبح شاة، ثم تتم النسك وتقضي من قابل.

[والمحصر يلزمه دم] والمحصر هو الذي حبسه حابس عن دخول مكة، إلا إذا اشترط كما في حديث ضباعة بنت الزبير حيث قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (حجي واشترطي: فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني) فإن لم أشترط عند الإحرام فإن أحصرت فيلزمني دم في المكان الذي أحصرت فيه سواء في الحرم أو الحل؛ فإن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حينما توجهوا إلى مكة ومنعهم المشركون من دخولها، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يتحللوا وأن يذبحوا، وقال عمر: علام نقبل الدنية في ديننا؟ فتحلل النبي صلى الله عليه وسلم وذبح، يقول تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:١٩٦]، فإن لم يجد المحصر دماً فعليه صيام عشرة أيام، ولا تقل: صيام ثلاثة أيام في الحج؛ لأنه لم يدخل مكة، فهو أحصر، فعليه صيام عشرة أيام.

[وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه يوم حصروا في الحديبية أن ينحروا، ويحلقوا، ويحلوا؛ فإن لم يجد صام عشرة أيام.

رواه البخاري؛ لأنه دم واجب للإحرام، فكان له بدل ينتقل إليه كدم المتمتع والطيب واللباس].

شأنه شأن أي دم.

فلو أن رجلاً أحرم من جدة لأداء مناسك الحج، وبينما هو في الطريق إلى مكة تم القبض عليه لعدم الحصول على تصريح الحج، وتم ترحيله ورد إلى جدة مرة ثانية، فما هو الواجب عليه؟ إن اشت