[أحكام بدو صلاح الثمار]
ثم قال: [ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها، فلو باعها قبل بدو صلاحها لم يجز إلا بشرط القطع].
جئت أشتري منك عنباً فوجدت العنب لم يبد صلاحه، فقلت: بعتك مقدار كذا عنباً بسعر كذا، فهذا البيع حرام؛ لأن الثمرة لم يبد صلاحها، فلا يجوز إلا بشرط واحد، وهو: أن أقطع العنب الآن لأستخدمه علفاً للحيوان أو غير ذلك، أما أن أبيع الثمرة قبل أن تنضج فلا يجوز؛ فإن نضجت منها واحدة فهذه إشارة إلى نضجها جميعاً.
قال: [لما روى ابن عمر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تزهو، وعن بيع السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة)، ولأن في بيعه غرراً من غير حاجة، فلم يجز كما لو اشترط التبقية، وإن باعها بشرط القطع جاز بالإجماع].
والمعنى: أنه لا يجوز لك أن تشتري الثمرة قبل صلاحها، وإن اشتريت بشرط القطع، أو بشرط التبقية جاز.
ومعنى التبقية: بقاء الثمرة في الأرض حتى تنضج، فإن جاءت آفة وأصابتها قبل أن تنضج فلا حق له في ثمن هذه الثمرة؛ لأن الأصل أن أحصل على الثمرة بعد نضجها.
[ولو باع الثمرة بعد بدو صلاحها على الترك إلى الجذاذ جاز.
قال أبو حنيفة: لا يجوز بشرط التبقية؛ لأنه شرط الانتفاع بملك البائع على وجه لا يقتضيه العقد، فلم يجز كما لو شرط تبقية الطعام في بيته].
أي أن المذهب على أن له أن يشتري بشرط التبقية، وأبو حنيفة على المنع.
[ولنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها، فمفهومه أنه أجاز بيعها بعد بدو صلاحها، وثبت أنه إنما نهى عن بيع يتضمن التبقية؛ لأنه يجوز بشرط القطع، وعنده مطلقاً ثبت أن الذي نهى عنه هو الذي أجازه، ولأن النقل والتحويل يجب في المبيع بحكم العرف، فإذا اشترطه جاز كما لو اشترط نقل الطعام من ملك البائع حسب الإمكان، وفي هذا انفصال عما قال].
والمعنى: أن الحنابلة يرون جواز الشراء بشرط التبقية.
قال: [فإن أصابتها جائحة رجع بها على البائع].
معنى ذلك: أنني اشتريت منك الثمرة قبل بدو الصلاح، لكن بشرط التبقية إلى الصلاح، فإن أصابتها عاهة قبل بدو الصلاح أعود بثمنها البائع عليك.
قال: [لما روى جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن بعت من أخيك ثمراً فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ من ثمنه شيئاً، لم تأخذ مال أخيك بغير حق) رواه مسلم.
وصلاح ثمر النخل أن يحمر أو يصفر، وصلاح العنب أن يتموه].
أي: عندما تمسك الحبة تتموه طرية في يدك، أما إن كانت جافة أو صلبة فلم تتموه بعده.
قال: [وسائر الثمر أن يبدو فيه النضج ويطيب أكله، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: (نهى عن بيع الثمرة حتى تطيب) متفق عليه، و (نهى عن بيع الثمرة حتى تزهو، قيل: وما تزهو؟ قال: تحمار أو تصفار، ونهى عن بيع الحب حتى يشتد، ونهى عن بيع العنب حتى يسود) رواه الترمذي].
إلى هنا نكون قد انتهينا من باب بيع الأصول والثمار.