للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أحكام في اختلاف البيعين]

قال المؤلف رحمه الله: [وإن اختلف البيعان].

مثال ذلك: اشتريت منك خروفاً بشرط أنه بالخيار، وأنت قد اشتريت هذا الخروف مؤجلاً وقلت: إنك اشتريته نقداً فزاد ثمنه، فأخذت منك الخروف وذبحته، وبعد أن ذبحت وأكلت تبين لي أن صاحب الخروف اشتراه مؤجلاً ولم يشتره نقداً، والسلعة قد تلفت، فنعود على البائع بقيمة المثل، يعني: هذا الخروف مثله نقداً بكذا ونقول للمشتري: أنت بالخيار، إما أن البائع يرد القيمة، وإما أن نقيم هذا الخروف بثمنه نقداً، والبائع يرد الفرق للمشتري.

مثال آخر: أنا آخذ سلعة من شخص بالخيار، فقال لي هذا الشخص: أنا اشتريت هذه السلعة بالأجل -الذي يبيعها هو الذي اشتراها بالأجل فسعرها ارتفع عنده- فعاملني بهذا السعر المرتفع، وتبين لي بعد أن اشتريت أنه كذب علي وأنه قد حصل عليها نقداً، وأصبح السعر علي مرتفعاً، إذاً: طالما أنني اشتريت منه بالخيار فلي أن أقول: أنت الآن كذبت علي، قلت لي: أنك حصلت على السلعة مؤجلة، وأنت حصلت عليها نقداً، فأنا بالخيار: إما أن أرد السلعة وتعطيني مالي، وإما أن أحصل على الفرق.

قال: [وإن اختلف البيعان في قدر الثمن تحالفا].

أي: تحالف البائع والمشتري، وقد يعترض معترض ممن عنده فقه فيقول: البينة على من ادعى واليمين على من أنكر، فهو الآن يلزم البائع والمشتري بالحلف وقد اختلفا في الثمن.

قال البائع: بعتك بمائة، وقال المشتري: لا، بعتني بثمانين، فبما أن البيع بالخيار فالقول قول البائع إلا أن يأتي المشتري ببينة، والمذهب فيه رأيان: الرأي الأول: أن يتحالفا، ومعناه: أن كليهما يحلف، والذي يبدأ بالحلف البائع؛ لأنه تنازل عن الملكية؛ ولأنه الغارم في تنازله عن الملكية، فيحلف البائع أولاً ويقول: والله ما بعتك بثمانين -يقدم النفي على الإثبات- والله بعتك بمائة.

ثانياً: يحلف المشتري ويقول: والله ما اشتريت منك بمائة -يقدم النفي على الإثبات- والله إني اشتريت منك بثمانين، وهكذا تحالف البائع والمشتري؛ لأن كليهما مدع ومنكر، فالبائع يدعي أنه باع بمائة، ومنكر أنه باع بثمانين، والمشتري أيضاً يدعي أنه اشترى بثمانين وينكر أنه اشترى بمائة، والبيع بالخيار، أي: أن البائع والمشتري اشترطا قبل أن يتفرقا أن البيع بالخيار.

قال: [وإن اختلف البيعان في قدر الثمن تحالفا ولكل واحد منهما الفسخ].

بعد الحلف نقول للبائع وللمشتري الآن لكما الفسخ، فإن تراضيا وقع البيع، وإن لم يتراضيا فسخ البيع وعادت السلعة إلى البائع والثمن إلى المشتري.

عند اختلاف البائع والمشتري يصبح القول قول البائع؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا اختلف المتبايعان وليس بينهما بينة والمبيع قائم بعينه فالقول ما قال البائع أو يترادان البيع)، إذاً: القول الأول في المذهب: أنه إن لم يكن عند المشتري بينة فالقول قول البائع، وإن كان عنده بينة فإنهما يتحالفان، وإن تحالفا ترد السلعة إلى البائع على أن القول قوله.

قال: [فإذا تحالفا لم ينفسخ العقد بنفس التحالف؛ لأنه عقد وقع صحيحاً، فتنازعهما وتعارضهما في الحجة لا يوجب الفسخ، كما لو أقام كل واحد منهما بينة بما ادعاه، لكن يقال للمشتري: أترضى بما قال البائع؟ فإن رضيه أجبر البائع على قبول ذلك؛ لأنه حصل له ما ادعاه].

كأن يقال: أترضى أيها المشتري بما قال البائع؟ فإن رضي فلا اختيار للبائع؛ لأنه حصل ما ادعاه، وأجبر على القبول.

قال: [وإن لم يرضيا فسخ العقد].

وظاهر كلام أحمد: أن لكل واحد منهما الفسخ؛ لقوله عليه السلام: (أو يترادان البيع)، وهذا الاختلاف يسمى عند العلماء بالخيار لاختلاف المتبايعين، وهو القسم السابع من أنواع الخيار.

ذكره العلامة ابن عثيمين في كتاب الممتع على شرح زاد المستقنع، وهذا الاختلاف قد يكون في قدر الثمن، وقد يكون في الصفة وقد يكون في الشرط أو غيره.

قال: [وإن كانت السلعة تالفة تحالفا ورجعا إلى قيمة مثلها كما لو كانت باقية، وعنه -يعني: رواية أخرى عن أحمد - القول قول المشتري مع يمينه، اختارها أبو بكر؛ لقوله عليه السلام: (إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة تحالفا)، فمفهومه: أنه لا يشرع التحالف عند عدمها؛ ولأنهما اتفقا على نقل السلعة إلى المشتري واختلفا في عدة زائدة يدعيها البائع والمشتري ينكرها، والقول قول المنكر].

وهذه قاعدة: القول قول المنكر.

ثم قال: [وتركنا هذا القياس حال قيام السلعة للحديث، ففيما عداه تبقى على مقتضى القياس، ووجه الأولى: أن كل واحد منهما مدع ومنكر، فتشرع اليمين كحال قيام السلعة].

خلاصة القول في معنى الخيار: أن لكل طرف أن يختار؛ إما أن يمضي العقد، وإما أن يفسخه، طالما أنه اشترى بالخيار فإنه يجوز له أن يرد السلعة في مدة الخيار دون عيب فيها، والخيار سبعة أنواع كما ذكرنا وهي: خيار المجلس، وخيار التدليس، وخيار الغبن، وخيار الشرط، وخيار العيب، وخيار في البيع بتخيير الثمن، وخيار لاختلاف المتبايعين.