قال الشارح:[وأما السعي فعن أحمد رحمه الله: أنه لا يتم الحج إلا به، ولا ينوب عنه دم بوجه، وهو قول عائشة وعروة وهذا معناه أنه ركن فلا يجبره دم].
يعني: هناك رواية عن أحمد، ومن ثراء المذهب الحنبلي أن فيه أكثر من رواية، وكل رواية متعددة في مذهب الإمام أحمد تقابل رأياً في المذهب الآخر، فستجد أن مذهب الشافعي فيه قول من أقوال أحمد، فتعدد الروايات عن الإمام أحمد يجعل لهذا المذهب ثراء، ولذلك اختلف العلماء في روايات الإمام وكيف نرجح بين الروايات، وهناك كتاب للمرداوي اسمه: الإنصاف في الراجح من مسائل الخلاف، يرجح رواية واحدة في المذهب، ومن الجدير بالذكر أن المستشرقين قد زرعوا في الأمة هذا التقليد الأعمى: فإذا كان الرجل حنبلياً فمعناه أنه متشدد، وما كان الإمام أحمد متشدداً، وما عرف التشدد في يوم من الأيام، بل هو أقرب المذاهب إلى السنة؛ لأن الإمام أحمد كان أكثر الأئمة حفظاً لحديث النبي صلى الله عليه وسلم.
يقول الشارح: [وعنه أنه مستحب ولا يجب بتركه دم، وذلك عن ابن عباس وأنس وعبد الله بن الزبير فإن الله تعالى قال:{فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}[البقرة:١٥٨]، وفي مصحف أبي وابن مسعود:((فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما))، وهذا إن لم يكن قرآناً فلا ينحط عن درجة الخبر؛ لأنهما يرويانه عن النبي صلى الله عليه وسلم، واختار القاضي أن يكون حكمه حكم الرمي يكون واجباً ينوب عنه الدم].
إذاً الخلاف وقع في السعي، منهم من قال: ركن، ومنهم من قال: واجب، ومنهم من قال: مستحب سنة ولكن الراجح أنه واجب إن تركه يجبر بدم، والقراءة الشاذة لا يعتد بها، كقراءة ابن مسعود:((فصيام ثلاثة أيام متتابعات))، كلمة (متتابعات) قراءة شاذة، في كفارة اليمين:{فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ}[المائدة:٨٩]، وقراءة ((ثلاثة أيام متتابعات))، هذه قراءة ابن مسعود وهي قراءة شاذة، والأحناف أخذوا بالقراءة الشاذة فقالوا: يشترط التتابع، وجمهور العلماء قالوا لا يشترط التتابع؛ لأن القراءة الشاذة لا يعتد بها.
ومعرفة القراءات السبع مهم جداً، ومن المهم أن تعرف الفرق بين القراءات السبع وبين الأحرف السبعة، ولذلك يقول بعضهم: سامح الله من جعل القراءات سبعاً فإنه قد اختلط على الكثير أن الأحرف السبعة هي القراءات السبع وما تشابهت إلا في العدد، لكن القراءات السبع تختلف عن الأحرف السبعة، فالقرآن نزل على سبعة أحرف، ومعنى أنه نزل على سبعة أحرف أن الكلمة مختلفة اللفظ لكن المعنى واحد، فهي لهجات عند العرف: تعال، أقبل، هلم، كلها بمعنىً واحد، ولذلك كتبوه بلغة قريش، والأحرف السبعة هناك اختلاف فيها إلى ستة أقوال، هل هي القراءات السبع؟ هل هي الأوجه المغايرة؟ هل العدد لا مفهوم له؟ فأحياناً يكون عدد لا مفهوم له، الله يقول:{اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً}[التوبة:٨٠]، فالعدد هنا ليس له مفهوم وإنما يشير إلى الكثرة؛ لأن نهاية الآحاد عند العرب كانت سبعة ونهاية العشرات سبعين، وحينما أقول لك: سبعة يعني نهاية كمال الآحاد، فالعدد ليس مقصوداً لذاته وإنما لا مفهوم للعدد وإنما يشير إلى الكمال والكثرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لو أعلم أني لو زدت عن السبعين لغفر له لفعلت).