وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيّه من خلقه وخليله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: أيها الإخوة الكرام الأحباب! طبتم جميعاً وطاب ممشاكم، وأسأل الله عز وجل بفضله وكرمه وعفوه ورضاه أن يتقبل منا صيامنا وقيامنا، وأن يختم بالباقيات الصالحات أعمالنا، وأن يجمعنا سوياً مع سيد الأنبياء والمرسلين في الفردوس الأعلى؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وقبل أن نبدأ في رحلتنا مع دروس الفقه من كتاب العدة للإمام موفق الدين بن قدامة المقدسي الحنبلي، ومع كتاب الحج والعمرة، يسعدنا أن نبدأ هذا اللقاء بكلمة مختصرة عن الزواج في الإسلام: مما لا شك فيه أن الزواج من سنن الله عز وجل في خلقه، قال عز وجل:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[الروم:٢١]، ولكن الحديث في عجالة سيدور حول أسس اختيار الزوجة، والمعايير التي ينبغي على الشاب المسلم أن يضعها نصب عينه وهو يختار الزوجة؛ لأن الزوجة سكن، وهي حسنة الدنيا على رأي بعض المفسرين في قوله تعالى:{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً}[البقرة:٢٠١]، فحسنة الدنيا قال بعضهم: هي المرأة الصالحة؛ لأن المرأة إذا صلحت صلحت بها المجتمعات، وإذا فسدت المرأة تفسد بها المجتمعات؛ ولأن أعداءنا يعلمون تلك الحقيقة راحوا يخططون ويمكرون بالمرأة ليل نهار، وراحوا يفسدونها ويخرجونها عن حيائها وعن عفافها؛ ليعم الفساد والبلاء، فأول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء، كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام:(فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء).
أسس اختيار المرأة في الإسلام يقوم على معايير وضعها سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم، فمن الشباب من يبحث عن الجمال ويضع له شروطاً يضيق بها على نفسه، فتراه يريدها طويلة بيضاء البشرة صفراء الشعر زرقاء العينين ممشوقة القوام إلى غير ذلك، يشدد فيشدد الله عليه، ومن الناس من يبحث عن ذات المال فيبحث عن مالها كم هو؟ وإن قدر الله لأبيها الموت فماذا سترث بعد موته، ومن الناس من يبحث عن الجاه والحسب فيخطب من عائلة فلان ويضع اسم العائلة نصب عينه، ومن الناس من يبحث عن الدين كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم، والفائز بين هؤلاء جميعاً هو الذي يبحث عن دينها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:(فاظفر بذات الدين تربت يداك)، وخير ما ينال المرء بعد تقوى الله المرأة الصالحة، كما جاء في بعض الآثار.
الزواج إيجاب وقبول، قال تعالى عن صاحب مدين أنه قال لموسى عليه السلام:{إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ}[القصص:٢٧]، هذا إيجاب؛ لأن ولي أمر المرأة هو الذي بدأ بالعرض، وموسى عليه السلام وافق، ولذلك الإمام البخاري يبوب في صحيحه باب: الرجل يعرض ابنته على الرجل الصالح، فيجوز لك أن تعرض ابنتك على رجل صالح تثق في دينه، فهذا كنز يا عبد الله! ولكن في عرفنا إن قال أحد لآخر: عندي أخت أو عندي بنت قالوا: يدلل عليها؛ لأنها سلعة راكدة، أما يستحي قائل هذا؟! فيا عبد الله! هذا هو الشرع، يجوز للرجل أن يعرض ابنته على الرجل الصالح، وقد فعل هذا عمر؛ فإنه لما مات زوج حفصة ذهب يعرضها على أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، فعرضها أول ما عرضها على أبي بكر، فأعرض الصديق ولم يجب بنعم أو بلا، ثم عرضها من بعد أبي بكر على عثمان ذي النورين رضي الله عنه وعن أصحاب رسول الله أجمعين.
يقول صاحب مسلسل رجل الأقدار: أنا لا أحب عمرو بن العاص، فنقول له: من أنت حتى تحب أم تكره أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام؟! إن تلك الألسنة أو تلك الأسماء إذا ما ذكرناها نحتاج إلى أن نتمضمض سبع مرات من ذكرها، فهذا يقول: إنه لا يحب عمرو بن العاص! فهل تعلم أن بغض أصحاب رسول الله من النفاق وحبهم من الإيمان، فمن أنت يا عبد الله! حتى تعلن أمام كل الجمهور الحضور أن شخصية عمرو شخصية استبدادية وشخصية أثرت بكذا، وأنا لا أحبه بل أكرهه؟! فاتق الله! فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال:(لا تسبوا أصحابي؛ فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)، وقال الله في حقهم:{رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}[المائدة:١١٩]، وقال الله في حقهم: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَا