[أحكام خيار العيب]
قال المؤلف رحمه الله: [وإن وجد أحدهما بما اشترى عيباً لم يكن علمه؛ فله رده أو أخذ أرش العيب].
وأرش العيب هو الفرق.
مثال: اشتريت مسجلاً بخمسين جنيهاً، ولا خيار لي في الرد، فوجدت فيه عيباً بعد أن اشتريت، فعدت إلى البائع وقلت له: المسجل معيب، حتى لو لم يكن هناك خيار.
فقال البائع: لك أحد أمرين: الرد وتأخذ الثمن، أو تأخذ الفرق بين السليم والمعيب أو المضروب، وهو أرش العيب.
قال: [والعيب كالمرض أو ذهاب جارحة أو سن، وفي الرقيق: من فعله كالزنا والسرقة والإباق].
والآبق هو: غير المطيع لسيده، وهذا يعد عيباً.
روى الذهبي في الكبائر: أن رجلاً خرج بعبده إلى السوق يقول: من يشتري هذا العبد إلا أنه نمام، فقال أحمق: النميمة ليست بعيب، أنا آخذه، فأخذه على عيبه، فجاء العبد إلى زوجة سيده وقال لها: سيدي يريد أن يتزوج عليكِ، فإن أردت ألا يفعل فائتيني بشعرة من لحيته، وسأفعل له أمراً لا أجعله يتزوج، وجاء لسيده وقال: سيدتي تريد أن تقتلك وأنت نائم، وإن أردت أن تعرف صدقي من كذبي فلا تنم الليلة وتبين من صدق كلامي، فدخل سيده إلى فراشه وهو يتناوم، فجاءت الزوجة وانكبت عليه تريد أخذ شعرة من شعرات لحيته بموس، فنظر الرجل إليها، فوجدها تهوي عليه، فطعنها فقتلها، فاجتمعت قبيلتها عليه فقتلوه؛ فقامت الحرب بين القبيلتين بفعل هذا النمام.
قال: [وإن وجد أحدهما بما اشترى عيباً لم يكن علمه؛ فله رده أو أخذ أرش العيب، فمن اشترى معيباً لم يعلمه؛ فله الخيار]، طالما أنه معيب لم أعلمه، لي الخيار سواء اشترطت الخيار أو لم أشترط.
قال: [فله الخيار بين الرد وأخذ الثمن؛ لأنه بذل الثمن ليسلم له مبيع سليم، ولم يسلم له؛ فثبت له الرجوع في الثمن: كما في المصراة]، والمصرَّاة: أن يحبس اللبن في ضرع البهيمة أياماً حتى تنتفخ، ويذهبون بها إلى السوق حتى تباع بمبلغ مرتفع، ففي هذه الحالة له أن يردها، وإن حلبها يردها ويعطي البائع صاعاً من تمر.
قال: [كما في المصراة، وبين الإمساك وأخذ الأرش؛ لأن الجزء الفائت بالعيب يقابله جزء من الثمن، فإذا لم يسلم له؛ كان له ما يقابله كما لو تلف في يده.
ومعنى الأرش: أن ينظر ما بين قيمته سليماً ومعيباً؛ فيأخذ قدره من الثمن، فإذا نقصه العيب عشر قيمته فأرشه عشر ثمنه؛ لأن ذلك هو المقابل للجزء الفائت.
مثاله: أن يكون قد اشترى منه سلعة بخمسة عشر، فيظهر فيها عيب، فتقوم صحيحة بعشرة ومعيبة بتسعة؛ فقد نقصها العيب عشر قيمتها، فيرجع المشتري على البائع بعشر الثمن دينار ونصف، وحكمة ذلك: أن المبيع مضمون على المشتري بالثمن، ففوات جزء من المبيع يسقط عنه ضمان ما قابله من الثمن أيضاً]، والمعنى: أن المشتري دفع الثمن مقابل الانتفاع بسلعة سليمة، والعيب يفوت عليه ذلك، فلا بد أن يعوض بقدر هذا العيب، هذا يسمى عند العلماء أرش العيب.
قال: [وما كسبه المبيع -يعني المشتري- أو حدث فيه نماء منفصل قبل علمه بالعيب فهو له].
هب أنني اشتريت عبداً، وانتفعت به لمدة شهر، وبعد الشهر تبين لي أنه نمام، ولم يبين لي البائع هذا العيب، إذاً: إما أن أنتفع به وإما أن يحدث فيه نماء، كأن أشتري مثلاً شاة أنثى وهي حامل في شهرها الأول بألف جنيه، وبعد أن وضعت اكتشفت أنها جرباء، وكان قد دلس علي البائع وأوهمني أنها سليمة، فحدث نماء بوجود أم ابنها معها.
فما حكم هذا النماء في السلعة: هل هو من حق المشتري أم من حق البائع؟ قال: [وما كسبه المبيع أو حدث فيه نماء منفصل قبل علمه بالعيب فهو له؛ لما روت عائشة: (أن رجلاً ابتاع -اشترى- غلاماً، فاستعمله ما شاء الله، ثم وجد به عيباً فرده، فقال: يا رسول الله! إنه استعمل غلامي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الخراج بالضمان)، رواه أبو داود]، والمعنى: أنك تضمن سلامة العبد من العيوب؛ لأنك لم توضح له العيب.
قال: [وعنه -يعني: رواية أخرى عن أحمد - ليس له رده دون نمائه؛ لأنه تبع له أشبه النماء المتصل كالسمن واللبن، والتعلم والحمل، والثمرة قبل الظهور؛ فإنه إذا أراد الرد رده بزيادته إجماعاً؛ لأنها لا تنفرد عن الأصل في الملك، فلم يجز رده دونها].
وهو الصحيح: أنه يرد مع النماء، وإذا أنفق عليها شيئاً يأخذ ما أنفقه.