قال: [ويقول بين الركنين -الركن اليماني والحجر الأسود-: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}[البقرة:٢٠١]؛ لما روى الإمام أحمد في المناسك عن عبد الله بن السائب:(أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول بين ركن بني جمح والركن الأسود: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}[البقرة:٢٠١])]، والحديث وإن كان ضعيفاً إلا أن له شاهداً صحيحاً، فنذكره على سبيل الاستئناس، وقيل: الحديث حسن.
قال: [وروى ابن ماجه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وكل به -يعني: الركن اليماني- سبعون ألف ملك، فمن قال: اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار؛ قالوا: آمين)]، هذا الحديث ضعيف، والمشروع أن يقول بين الركن اليماني وبين الحجر الأسود: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
قال:[ويدعو في سائره بما أحب]، أي: ليس هناك دعاء بصفة معينة حول الكعبة، لكن تجد أنه قد أُلِفت كتب كثيرة في الدعاء حول الكعبة، في الشوط الأول كذا، وفي الشوط الثاني كذا وهكذا، وتجد الناس يسيرون وهم يدعون دعاء جماعياً، ويرفعون أصواتهم بذلك، وهذا مخالف للسنة، والعجب أنهم يدعون دعاءً جماعياً باصطحاب المرشد الذي يقرأ لهم من الكتاب ويرددون خلفه، فتسمع العجائب من هذا المرشد، بل وأحياناً تسمعه يقرأ القرآن خطأً عند الطواف أو السعي بين الصفا والمروة، فلا ينبغي أبداً أن يكون هناك دعاء جماعي بهذه الطريقة، وكذلك النساء لا يجوز لهن رفع الصوت بالدعاء، وقد تجد بعض الناس يعقد الصفقات بالهاتف أثناء الطواف، وبعضهم يتحدثون في أمور الدنيا وشهواتها! وهذا إن دل فإنما يدل على أن الناس في غفلة، وأن القلوب لا زالت معلقة بالدنيا، وحدث ولا حرج عن المخالفات التي تحدث في الطواف والسعي.
قال: [لما روي عن ابن عباس: أنه كان إذا جاء إلى الركن اليماني قال: اللهم قنعني بما رزقتني، واخلف لي على كل غائبة بخير ويستحب أن يقول: اللهم اجعله حجاً مبروراً، وسعياً مشكوراً، وذنباً مغفوراً، رب اغفر وارحم واعف عما تعلم، وأنت الأعز الأكرم، وكان عبد الرحمن بن عوف يقول: رب قني شح نفسي، وعن عروة قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون: لا إله إلا أنت، وأنت تحيينا بعد ما أمتنا، ويستحب الإكثار من ذلك.
قالت عائشة رضي الله عنها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله تعالى)، قال الترمذي: حديث حسن صحيح، رواه الأثرم وابن المنذر]، والحديث قد يكون ضعيفاً في نظر من حققه، بينما الترمذي هنا حسنه وصححه، وهذا كثير، فتجد من العلماء من يضعِّف الحديث، وتجد منهم من يصحح الحديث، فمثلاً: صلاة التسابيح صححها الشيخ الألباني رحمه الله تعالى، وابن الجوزي قال عنها: موضوعة، والراجح في صلاة التسابيح أن حديثها ضعيف لا شك في هذا، والشيخ ابن باز رحمه الله قال: حديثها منكر، وهي صلاة تشرع في العمر مرة واحدة، فمن العلماء من قال: إنها موضوعة، ومنهم من قال: هي صحيحة، وبعض الناس بارك الله فيهم يتمسكون برأي واحد في الحديث، فإذا ضعف الشيخ الألباني حديثاً رحمه الله يقولون: ضعيف، ولا يقرئون آراء حفاظ الأمة في الحديث، كـ ابن حجر وابن عساكر والسيوطي رحمهم الله تعالى، لذا ينبغي على المسلم أن يصغي إلى آراء العلماء وحكمهم على الحديث، ولا يكتفي بالحكم على الحديث من عالم واحد فقط، ثم له أن ينظر في الحكم عليه إن كان من أهل الصنعة، كما ينبغي على المسلم ألا يتسرع في الحكم على الحديث إذا رأى من ضعفه، لأنه ربما قد يكون صحيحاً من طرق أخرى، كـ الترمذي رحمه الله تعالى فهو يتساهل كثيراً في تصحيح الحديث.