[الصلح بإسقاط بعض الدين]
قال: [باب الصلح.
ومن أسقط بعض دينه، أو وهب غريمه بعض العين التي له في يده جاز].
فلو أنك مدين لي بألف جنيه، وقلت لك: أسقطت عنك خمسمائة لوجه الله، فأنا لي الحرية في إسقاط ما أشاء من مالي، أما إن قال المدين: لن أعطيك الألف حتى تسقط النصف، فهذا ليس له ولا يجوز.
قال: [ما لم يجعل وفاء الباقي شرطاً في الهبة والإبراء، أو يمنعه حقه إلا بذلك].
أي إن كنت أنت مديناً لي بعمارة، فقلت لك: نصف العمارة لك والنصف الآخر لي فهذا يجوز، إلا أن أشترط أن يكون ذلك شرطاً في الإبراء أو الهبة.
قال: [وذلك لأن الإنسان لا يُمنع من إسقاط حقه ولا من استيفائه].
فليس هناك أحد يمنعني من استيفاء حقي كاملاً، إلا أن يشفع أحد الناس وأنا أقبل الشفاعة، والنبي صلى الله عليه وسلم شفع في حالتين: شفع في دين جابر بن عبد الله بن حرام -بعد موت أبيه- عند الدائنين أن يسقطوا حقه، أو أن يستوفوه من أصل معين.
وشفع عند كعب بن مالك لـ ابن أبي حدرد -والحديث في البخاري في كتاب الصلاة- عندما ارتفعت أصواتهما في المسجد، فـ كعب بن مالك يقول: وفني حقي، قال: ليس معي الآن، قال: جاء الوقت وأنت مدين، وارتفعت أصواتهما، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر كعباً أن يضع الشطر، ثم قال: يا ابن أبي حدرد قم وفه.
قال: [ولو شفع فيه شافع لم يأثم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كلم غرماء جابر فوضعوا عنه الشطر، وكلم كعب بن مالك فوضع عن غريمه الشطر، ويجوز للقاضي فعل ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله، ولو قال للغريم: أبرأتك من بعضه بشرط أن توفيني بقيته لم يصح].
أي: أنت عليك لي ألف جنيه، فقلت لك: أنا سأضع لك خمسمائة ولكن أعطني خمسمائة الآن، ففي المذهب لا يجوز، لكن الراجح أنه يجوز.
قال: [ولا تصح بلفظ الصلح؛ لأن معنى: صالحني عن المائة بخمسين أي بعني، وذلك غير جائز لما ذكرناه، ولأنه ربا].
كأن المدين يقول: بعني الألف بخمسمائة، وهذا هو عين الربا، فالمدين لا يحق له أن يشترط للوفاء أن يعطيه أقل من حقه، لكن الدائن حر في ماله.
قال: [أو يضع له بعض المؤجل ليعجل له الباقي، يعني: لو صالح عن المؤجل ببعضه حالاً، مثل أن يصالح عن المائة المؤجلة بخمسين، لم يجز لأنه ربا، وهو بيع بعض ماله بماله؛ ولأن بيع الحلول غير جائز].
هذا الكلام أيضاً مرجوح، فالتصالح على دين مؤجل بمبلغ معجّل في المذهب لا يجوز، لكن الراجح إن طلبها الدائن جاز؛ لأن هذا ملك الدائن، فلا نصادر حريته في ذلك.
قال: [ويجوز اقتضاء الذهب عن الورق -أي: الفضة- بالورق عن الذهب إذا أخذها بسعر يومها وتقابضا في المجلس، وذلك أنه إذا صالحه عن أثمان بأثمان، فهذا صرف يعتبر له شروط الصرف من القبض في المجلس وسائر الشروط].
أي أنك لو أخذت مني الآن (١٠٠) جرام ذهباً فلا بد أن تعطيني إما (١٠٠) جرام ذهباً، أو ما يعادلها فضة، ويشترط التقابض لكن لا يشترط المماثلة لاختلاف الجنس، طالما اختلف الجنس فهنا نشترط التقابض في مجلس العقد ولا نشترط التماثل.