هذا الموضوع من الموضوعات الخلافية بين المذاهب وهو مس المرأة، والمس في المتن يقصد به: اللمس، فإذا مس رجل امرأة سواءً كانت زوجة أو غير زوجة هل ينقض وضوءه أم لا؟ مع الأخذ في الاعتبار أن مس المرأة التي ليست من المحارم حرام، وهذه مسألة أخرى، ونحن الآن نحقق مسألة نقض الوضوء.
فمن العلماء من قال: ينقض على الإطلاق كالإمام الشافعي؛ واستدل بقول الله تعالى:{أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ}[النساء:٤٣]، واللمس في الآية عند غير الشافعي بمعنى: الجماع، أي: أو جامعتم النساء، والقول الراجح كما يقول الشارح: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل عائشة وهو متوضئ، ويذهب إلى الصلاة، وكان يصلي أحياناً فيجد قدم عائشة في القبلة، فيغمزها في قدمها وهو يصلي، فهذا يدل على أن لمس عائشة لم ينقض الوضوء، إلا إذا كان المس بشهوة فإنه ينقض؛ لأن الشهوة مظنة نزول المذي، فإذا كان المس بشهوة: انتقض الوضوء، وإذا كان المس بغير شهوة فلا ينقض؛ ولذلك قال الشارح:(ولا ينقض اللمس بالذراع).
وفي الناقض الخامس أن تمس بشرته بشرة أنثى: ثلاث روايات عن أحمد بن حنبل.
واختلاف الروايات عن أحمد يعني: أن أحد تلامذته نقل رأياً عنه، وتلميذاً آخر من تلامذته نقل رأياً آخر، وتلميذاً آخر كذلك نقل رأياً آخر، ففي هذه المسألة ثلاث روايات عن أحمد والترجيح بين الروايات مهم، فالرواية الأولى عن أحمد: أنه ينقض بكل حال بشهوة أو بغير شهوة؛ لقوله تعالى:{أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ}[النساء:٤٣]، فالإمام أحمد في هذه الرواية يوافق الشافعي، وهذا يدل على أن من ثراء مذهب الإمام أحمد أن فيه أكثر من رواية، وستجد أن بعض الروايات توافق المذاهب الأخرى، فدراسة مذهب الإمام أحمد يجعلك تحصل المذاهب الأخرى بعد أن تستكمل الدراسة.
والرواية الثانية: لا ينقض بحال؛ لما روي:(أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل عائشة ثم صلى ولم يتوضأ)، رواه أبو داود، وبعضهم قال: إنه مرسل.
وفي حديث آخر: قالت عائشة: (فقدت النبي صلى الله عليه وسلم، فجعلت أطلبه، فوقعت يدي على قدميه وهو ساجد)، رواه مسلم، فلو أن لمس المرأة ينقض الوضوء لخرج النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة، لكنه أكمل الصلاة.
والرواية الثالثة عن أحمد وهي ظاهر المذهب: أنه ينقض إذا كان بشهوة ولا ينقض بغير شهوة جمعاً بين الآية والحديث، لأن إعمال الأدلة أولى من إهمالها؛ ولذلك جمع بين الدليلين.