[الرد على العلمانيين في ذمهم المذهب الحنبلي]
الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قيماً، وهدانا صراطاً مستقيماًَ، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر:٣].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: أيها الإخوة الكرام الأحباب! لا زلنا مع كتاب الصلاة من كتاب العدة شرح العمدة للإمام موفق الدين بن قدامة المقدسي الحنبلي رحمه الله تعالى.
الحقيقة أن الإمام ابن حنبل ظلم بيننا الآن، وأنا في الطريق قال لي أحد الإخوة: إن بعض الناس يعيرونني ويقولون لي: يا حنبلي! ولفظة حنبلي عندنا يفهم منها أنه متشدد، أو متنطع، وهذا من صنع المستشرقين، وهو طعم شربناه وأكلناه؛ لأننا مستهدفون.
حدث ولا حرج عن العلمانية، وعن الاستشراق، وعمن صنع عند الغرب ورضع من عصارته: طه حسين، رفاعة الطهطاوي، قاسم أمين، علي مبارك، أحمد عبد المعطي حجازي، لويس عوض، محمد سعيد عشماوي، وإذا ظللت أذكر هذه الأسماء ستنتهي المحاضرة وأنا لم أنته بعد من سردها.
أسماء ترتبت ورضعت ولها أذناب: نصر أبو زيد، سيد القمي، وما أدراك؟ هؤلاء الذين أرادوا أن يكون لهم ذكر؛ فطعنوا في الشريعة، حتى قال قائلهم -وهذا قاسم مشترك عندهم جميعاً-: إن القرآن كتاب يخضع للزمان والمكان والتقييم البشري.
يعني: كتاب أدب، يمكن أن نرفض منه أو نقبل على حسب الأحوال الزمانية والمكانية، لا يوجد عندهم شيء اسمه ثوابت، إنما كل العقيدة والشريعة متغيرات على حسب الزمان والمكان.
لذلك إخوتي الكرام! أقول: من هذه الأقوال الظالمة: ذم المذهب الحنبلي، إن ابن حنبل إمام أهل السنة، ومذهبه آخر المذاهب رحمه الله تعالى، وأكثرها إحاطة بحديث رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ ولذلك قال عنه الشافعي: تركت في بغداد -يوم أن جاء إلى مصر- شاباً إذا قال: حدثنا؛ استمع الناس له، كاد يكون إماماً في بطن أمه.
ابن حنبل إمام أهل السنة قال عنه علي بن المديني شيخ البخاري: لقد حفظ الله الإسلام برجلين: بـ أبي بكر رضي الله عنه يوم الردة، وبـ أحمد يوم المحنة رحمه الله تعالى.
لكننا الآن إذا أردنا أن نعير شخصاً نقول له: أنت حنبلي، ولماذا تدرسون في العزيز بالله الفقه الحنبلي يا حنابلة؟! شرف لنا أن نكون من أتباع مذهب أحمد، ولسنا ندعو إلى المذهبية أبداً ولا إلى التعصب لمذهب، لكن مذهب أحمد أكثر المذاهب إحاطة بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، علاوة على أن للإمام أكثر من رواية، وهذا يدل على ثراء المذهب، فما من رواية إلا يقابلها رأي في المذهب الآخر.
فمن الظلم التعسفي وملامح الغربة في بلادنا هذه: أن يكون لقب الحنبلي دليل اتهام، وإنما لفظ الحنبلي دليل شرف؛ لأنه يتبع السنة، وليس هذا قدحاً، فكلهم من رسول الله ملتمس، ونحن مع الدليل حيث دار.
أبو حنيفة رحمه الله أسس مذهبه على بضعة أحاديث، أدرك البعض ولم يصله البعض، وكلما كان الإنسان متقدماً كان أقل في الإحاطة، فـ ابن حنبل رحمه الله تعالى أكثر إحاطة بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ورغم ذلك إذا كان المذهب مرجوحاً نقول: هذا مرجوح، والدليل ليس معه؛ لأننا كما قلنا: نمقت التعصب المذهبي، والدين بالدليل، والعلم قال الله قال رسوله.
تعلمون أن محنة الإمام كانت في مسألة خلق القرآن في زمن الخليفة المأمون في بغداد في العصر العباسي، يوم أن أقنع المعتزلة المأمون بفكر الاعتزال، وهو أن القرآن مخلوق، ومن قال: إن القرآن مخلوق فهو زنديق؛ لأن القرآن كلام الله، وكلام الله صفة من صفاته، ومعنى أنه مخلوق: أن الصفة لم تكن موجودة ثم وجدت، أي: أن الله كان لا يتكلم ثم تكلم.
ثم ما من أمر مخلوق إلا ومصيره إلى الفناء وحاشا لله عز وجل أن يفنى! وكذلك كل أمر مخلوق ناقص؛ ولذا يشعر بالنقص، ولذلك أبى الإمام أن يقولها، وأرسل إليه الخليفة.
قال: يا أحمد! قلها، قال: لن أقولها؛ لأنه يعلم أن زلة العالِم زلة عالَم، فأرسل إليه المأمون وقد قرر أن يقتله: ائتوني بـ ابن حنبل، وفي الطريق إليه قال: اللهم لا تجمع بيني وبين المأمون بعد اليوم في الدنيا أبداً، فجاءه الصارخ بصوت مرتفع: يا أحمد! أبشر؛ فإن المأمون قد مات.
ثم أدخلوه السجن في عهد المعتصم وجلدوه، وأبى أن