قال:[ومن نذر الاعتكاف أو الصلاة في مسجد فله فعل ذلك في غيره؛ لأن المساجد كلها في الفضيلة سواء].
وهذا هو رأي الجمهور، فلا ميزة لمسجد على مسجد حتى ولو عين إلا أن يعين المسجد الحرام فلا يجزئه إلا المسجد الحرام، فإن نذر أن يعتكف في المسجد النبوي فيجزئه أن يعتكف في المسجد الحرام؛ لأنه أفضل المساجد حتى ولو حدد؛ ولأن المساجد بيوت الله وهي سواء، فمن نذر أن يعتكف في مسجد فمن جنس ما نذر، لا شبهة في ذلك.
قال: [قال صلى الله عليه وسلم: (جعلت لي الأرض مسجداً وترابها طهوراً)، إلا المساجد الثلاثة: المسجد الحرام، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى؛ لقوله عليه الصلاة والسلام:(لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا)] وهذا الحديث له منطوق ومفهوم، والخلط بين المنطوق والمفهوم يترتب عليه ضياع كثير من المفاهيم، فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم:(لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد)، أن الرحال لا تشد إلا إلى هذه المساجد، فهذا هو المنطوق، والمفهوم هو: أنه لا يسافر لمسجد يبتغي فيه الأجر الزائد إلا هذه المساجد، فإن الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، فيجوز أن أسافر لأصلي فيه خصيصاً، ولا يجوز أن أسافر إلى الشرقية لأجل أن أصلي في مسجد هناك، لأنه لا تشد الرحال إلا لهذه المساجد، فمن شد الرحال إلى البدوي في الشرقية فهو عاصٍ وآثمٍ وضال.
قال:[فإذا نذر الاعتكاف في المسجد الحرام لزمه ولم يجز أن يعتكف في سواه؛ لأنه أفضلها] أي: إن نذر أن يعتكف في المسجد الحرام لا بد أن يعتكف فيه ولا يجزئه أي مسجد آخر؛ لأنه أفضل المساجد على الإطلاق.
قال: [وإن نذر الاعتكاف في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم جاز له أن يعتكف في المسجد الحرام؛ لأنه أفضل منه، ولم يجز له أن يعتكف في المسجد الأقصى؛ لأن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أفضل منه، وإن نذر أن يعتكف في الأقصى جاز له أن يعتكف في أي المسجدين أحب؛ لأنهما أفضل منه، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم:(صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام)، رواه مسلم.