قال:[فإذا وصل إلى مزدلفة صلى بها المغرب والعشاء قبل حط الرحال يجمع بينهما]، أي: قبل أن يحط الرحال يصلي المغرب والعشاء، [والسنة لمن دفع من عرفة أن لا يصلي المغرب حتى يصل إلى مزدلفة، فيجمع بين المغرب والعشاء قبل حط الرحال، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم لا اختلاف بينهم أن السنة أن يجمع الحاج بجمع -أي: بمزدلفة- بين المغرب والعشاء، والأصل في ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بينهما].
قال:[ثم يبيت بها -أي: بمزدلفة- والمبيت بمزدلفة واجب من تركه فعليه دم، وقال بعضهم: من فاته جمع فاته الحج]، أي: أن بعضهم قال: إن المبيت بمزدلفة ركن وليس واجباً، فانظر إلى خطورة المسألة، فمعظم الحجاج المصريين يدفعون من عرفة إلى الجمرة إلى منى ولا يبيتون بمزدلفة، بحجة أن المطوف قد فعل ذلك، فيا عبد الله! إن المبيت بمزدلفة واجب فلا ينبغي أبداً أن تتركه، وأقول لك: حتى يكون حجك صحيحاً خذ عنوان الفندق وأد النسك في اطمئنان وسكينة، ولا تخش على نفسك.
قال: [ولنا قوله عليه السلام: (الحج عرفة، فمن جاء قبل صلاة الفجر ليلة جمع فقد تم حجه)، يعني: من جاء من يوم عرفة].
ثم قال:[ثم يصلي الفجر بغلس] أي: بظلام.
قال:[السنة أن يبيت بمزدلفة حتى يطلع الفجر فيصلي الصبح]، وهذا استدلال على أن وقت صلاة الفجر لا شبهة فيه، وقد نشرت مجلة التوحيد في عدد لها فتوى حول هذا الأمر؛ لأن البعض يؤخر الفجر عن الجماعة الأولى، ويظل يطعن في موعد الفجر حتى نام ولم يصل الفجر بعد، فيكفي في دخول الوقت غلبة الظن، وما ثبت بيقين لا يزول إلا بيقين، وإن قلت لأحد الإخوة: أنت الآن تشكك في موعد الفجر، فقال: نعم، قلت له: إذاً في رمضان كل واشرب بعد النداء، فقال: لا يجوز؛ احتياطاً للصيام، فإذاً هو غير متأكد وغير متيقن مما يقول، فلا داعي أبداً أن نثير هذه الشبهات والقلاقل في مواعيد استقرت، وأهل الخبرة أو أهل التخصص قد وضعوها في النتيجة، وإن كان هناك خطأ في التقدير فعليهم، وأنت الآن تصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء في موعد محدد، فلماذا تطعن في الفجر يا عبد الله؟! يقول: هناك أقوال كذا وكذا لبعض العلماء أو الدعاة! وأنا أعتقد أن هذه المسألة قد حسمت قديماً فلا داعي أبداً لهذا؛ لأن الفتنة لا زالت تذهب إلى بعض القرى، فبعض الناس لا يصلي الفجر مع الجماعة الأولى بحجة أنهم يصلون بليل، فيؤخر الجماعة فيخالف، أو يصلي مع الجماعة الأولى ثم يعود فيصلي مرة ثانية! ولا صلاة مرتين في اليوم، فيقع في المخالفات العديدة بسبب هذا الموضوع.
قال:[والسنة أن يعجلها في أول وقتها ليتسع وقت الوقوف عند المشعر الحرام]، وهذا دليل آخر أيضاً، فيصلي الفجر في أول الوقت بغلس، أي: بظلام، وقد استدل علماؤنا على ذلك بأن نساء المؤمنين زمن النبي كن يخرجن من صلاة الفجر بغلس فلا يُعرفن، أي: أن الصلاة تنتهي والجو لا يزال مظلماً، فلا تعرف المرأة أختها، وفي البخاري: أن الرجل كان ينظر فلا يميز بين الرجل والأنثى من شدة الظلام، فلا داعي لمثل هذه الأمور، وهذا كلام مستقر، لذا فأقول: إن السنة أن يعجلها في أول وقتها.
قال:[وفي حديث جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصبح حين تبين له الصبح، وفي حديث: أنه صلى الفجر حين طلع الفجر، وقائل يقول: قد طلع، وقائل يقول: لم يطلع]، أي: أن الصحابة اختلفوا، فمنهم من يقول: قد طلع الفجر، وقائل يقول: لم يطلع بعد، فصلى عليه الصلاة والسلام في هذا الوقت؛ حتى يتمكن من الدعاء عند المشعر الحرام.