للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ما يفعله الحاج عند خروجه إلى الصفا من بابه]

قال: [ثم يخرج إلى الصفا من بابه فيرقى عليه ويكبر الله عز وجل ويهلله ويدعوه]، أي: يخرج إلى جبل الصفا من بابه فيرقى عليه ويدعو الله عز وجل، وبين الصفا والمروة وادٍ كان منخفضاً، وهي اليوم ما بين المصباحين الأخضرين أو العلمين الأخضرين، وقد كانت تهرول فيها هاجر يوم أن بحثت عن الماء لابنها إسماعيل، والحديث عند الشيخين، وفيه أن سعيد بن جبير لما شعر باقتراب أجله برز لتلامذته ليسألوه، فأكثروا عليه في السؤال، فكان مما سألوه عنه أنهم سألوه عن مقام إبراهيم، فروى هذا الحديث الطويل وفيه: أنه لما كان بين إبراهيم وبين زوجه سارة ما كان، ومحاولة ملك مصر أن يفعل الفاحشة بزوجته فدعت عليه، ثم وهبها أو أعطاها هاجر عليها السلام، وكانت أمة مملوكة، ثم أعطتها سارة لإبراهيم عليه السلام فتسرى بها، أي: دخل بها لأنها كانت من الإماء، فحملت هاجر عليها السلام، فغارت سارة عند ذلك، والغيرة شيء معروف عند النساء لا يمكن أن تنكر بأي حال من الأحوال، عند ذلك أمر الله إبراهيم أن يفصل بين زوجتيه سارة وهاجر، لأن الحكمة لمن تزوج بامرأتين أن يفصل بينهما، ولا يدعهما في مكان واحد، فإن حدث ما لا يحمد عقباه فلا يلومن إلا نفسه، فكان من إبراهيم أن جعل سارة في الشام، وأخذ هاجر وولدها الرضيع إلى شبه الجزيرة، واتخذت هاجر ذيلاً لثوبها يربط بحزامه على وسطها لتمحو أثر أقدامها حتى لا تتبعها سارة، فتعرف مكانها فتلحق بها، فوضع إبراهيم عليه السلام زوجه وولدها الرضيع في واد غير ذي زرع، ووضع لهما جراباً من تمر وإناء من ماء، ثم تركهما وانصرف، قال تعالى: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم:٣٧]، فنادت هاجر فلم يجبها، حتى إذا ذهب إلى طريق كدا بعد أن بلغ الثنية التفت إليها فقالت له: يا إبراهيم لمن تتركنا أنا وابنك الرضيع، أربك أمرك بهذا؟ فقال: نعم، فقالت: إذاً فلن يضيعنا الله، وهذا من صدق التوكل على الله عز وجل.

ثم أخذت أمنا هاجر تبحث عن الماء -بعد أن نفد ماؤها- لتشرب هي ورضيعها، فأخذت تصعد إلى جبل الصفا، ثم تهبط إلى بطن الوادي فتهرول فيه، ثم تصعد إلى جبل المروة، وهكذا حتى أتمت سبعة أشواط وهي تنظر إلى ولدها إسماعيل لعله قد مات؛ لأنه كان يتقلب ظهراً على بطن من شدة الجوع والعطش، وبينما هي في الشوط السابع سمعت صوتاً فقالت لنفسها: صه، يعني: أنصتي، فإذا بجبريل عليه السلام يقوم بين يديها: من أنتِ؟ قالت: أنا أم ولد إبراهيم، ولم تقل: أنا زوجة إبراهيم، لأنه فرق بين أم الولد وبين الزوجة، فقال: لمن ترككما في هذا المكان القحط ولمن وكلكما؟ فقالت: وكلنا إلى الله، فقال: هو حسبكما، فضرب الأرض فانفجر ماء زمزم، فأخذت هاجر تحيط الماء حرصاً على عدم ضياعه، قال صلى الله عليه وسلم: (رحم الله هاجر لو تركت زمزم لأصبحت عيناً جارياً على سطح الأرض)، لكن حرص هاجر جعل الماء في هذه البقعة.