[حكم تلف العين المستأجرة]
قال: [ويلزمه ضمان العين إن تلفت بقيمتها سواء كان صاحبها معها أو لم يكن؛ لأنها تلفت بالجناية عليها، وسكوت صاحبها لا يسقط الضمان، كمن جلس إلى جنب إنسان فخرق ثيابه، وهو ساكت فإن الضمان يلزمه.
وإن تلفت من غير تعد فلا ضمان عليه؛ لأنه غير متعد].
أمثلة ذلك: استأجرت منك سيارة بمائة جنيه، وأنا أمشي بسرعة ستين وهي سرعة اعتيادية، وفجأة صدمني شخص، فهل يلزمني الضمان؟ لا يلزمني، وإن كنت أمشي بسرعة مائة وأربعين فإنه يلزمني، فالضمان يلزم المستأجر إن تعدى، وإن لم يتعد فلا ضمان عليه.
مثال آخر: زبون في مشكلة مع الحلاق، فبدلاً من أن يحلق ضرب بالموس رأسه فوصل إلى المخيخ وسال الدم من الرأس، فهنا يعتبر متعدياً، فإن تعدى يلزمه الضمان، وأي مستأجر تعدى يلزمه الضمان، كأن استأجر منك سكناً ففصل هذا السكن كما يحب ويهوى، فعمل حائطاً هنا، وعمل بلاطاً هنا، وقاطعاً هنا، وقسم البيت كما يريد! فهو تصرف في ملك غيره، وعندما كان يضرب على الجدار سقطت العمارة، فهنا يلزمه الضمان، لكن لو علق ستارة على النافذة فلا يلزمه الضمان؛ لأنه لا يضر بمصلحة البناء.
قال: [ولا ضمان على الأجير الذي يؤجر نفسه مدة بعينها فيما يتلف في يده من غير تفريط، والإجارة على ضربين: خاص ومشترك، فهذا هو الأجير الخاص الذي يؤجر نفسه مدة معلومة لخدمة أو خياطة أو رعاية، شهراً أو سنة أو أكثر؛ سمي خاصاً لاختصاص المستأجر بمنفعته في تلك المدة دون سائر الناس، لا ضمان عليه فيما يتلف في يده مثل: أن تهلك الماشية معه، أو تنكسر آلة الحرث وما أشبه ذلك إذا لم يتعد؛ لأنه أمين، فلم يضمن من غير تعد كالمودع].
إن كان المستأجر خاصاً ولم يتعد فلا ضمان عليه، فإن تعدى فعليه الضمان.
والمستأجر نوعان: مستأجر خاص؛ ومستأجر مشترك، فالمستأجر المشترك الذي فيه شركاء متشاكسون، كما قال الله عز وجل: {فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا} [الزمر:٢٩]، فإن استأجرت طباخاً ليطبخ الطعام لي في البيت فهو مستأجر خاص.
قلت له: أتجيد الطباخة.
قال: نعم.
فأحضرت له المواد وأنتج الطبيخ فأفسده، فهل يلزمه الضمان؟ طبعاً يلزمه؛ لأنه تعدى هنا، ولم يبذل عناية الرجل المعتاد، فهنا تعدى.
كان الشعبي فقيهاً من الفقهاء، فجاءه رجل فقال له: إن هذا الرجل ترك غنمه ينزل الزرع فأفسده، وكان بجوار الشعبي فقيه فهمس الفقيه لمن بجواره: انظر إلى الشعبي سيسأله: بالليل أم بالنهار؟ فقال الشعبي للرجل: بالليل أم بالنهار؟ قال: بالليل.
قال: يلزمه الضمان؛ لأنه بالنهار صاحب الزرع في زرعه، وصاحب الغنم يقوم على غنمه، فإن نزل الغنم إلى الزرع لا يلزمه الضمان؛ لأن صاحب الزرع يحرس زرعه، ويفترض أنه قائم على رعاية زرعه فإن وقع ذلك في آخر النهار فإن صاحب الزرع يعود إلى بيته، وصاحب الغنم يعود بغنمه إلى الحظيرة، فإن ترك صاحب الغنم غنمه تنزل الزرع بالليل لزمه الضمان؛ لأن صاحب الزرع ترك الزرع وعاد إلى بيته، وليس مطلوباً من صاحب الزرع أن يحرس الزرع بالليل؛ ولذلك ربنا يقول في حق سليمان وداود عليهما السلام: {إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} [الأنبياء:٧٨]، قال العلماء: النفش: هو النزول بالليل وليس بالنهار {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} [الأنبياء:٧٨]، جاء صاحب الزرع إلى داود عليه السلام، وقال: يا نبي الله داود! هذا الرجل ترك غنمه فنزلت في زرعي فأفسدت الزرع، فقضى لصاحب الزرع بالغنم؛ لأنه يلزمه الضمان بقيمة التلف الذي أتلفه غنمه، فقدر التلف فوجده يساوي قيمة الغنم، فقال سليمان: يا أبي! إني أرى في هذا رأياً.
قال: ما ترى يا ولدي؟! قال: أرى أن ندفع الغنم لصاحب الزرع، وأن ندفع الزرع لصاحب الغنم لمدة سنة، أما صاحب الزرع فينتفع بالغنم من أسمانها وألبانها وأصوافها وأوبارها مدة هذه السنة، وأما صاحب الغنم فيقوم على رعاية الزرع حتى يعود إلى شأنه، فإن عاد ردت الغنم إلى صاحبها، وعاد الزرع إلى صاحبه، فقال الله: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الأنبياء:٧٩].