للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[موقع المأمومين من الإمام]

قال رحمه الله: [وإذا كان المأموم واحداً وقف عن يمين الإمام] أي: يقف بجواره تماماً، أن تكون القدم ملاصقة لقدم الإمام لحديث ابن عباس في البخاري؛ وكثير من الناس يعتقد أنه إذا صلى مع الإمام فينبغي أن يتراجع قليلاً، وحديث ابن عباس في البخاري هو: (أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فوقف عن يساره، فأداره النبي صلى الله عليه وسلم عن يمينه)، أي: إذا صلى المأموم بجوار الإمام منفرداً فينبغي أن يقف عن يمين الإمام، وابن عباس وقف عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم، فجذبه النبي صلى الله عليه وسلم من أذنه وفتلها، وجعله عن يمينه، وفي هذا جواز أن يعدل الإمام وقفة المأموم.

قال رحمه الله: [فإن وقف عن يساره أو قدامه أو وحده لم تصح] وهذه المسألة مهمة جداً، فإن بعض الناس في مسجد العزيز في يوم الجمعة يصلون أمام الإمام لغير ضرورة، وأنا أحذر من هذا الصنيع، إذا وقف المأموم أمام الإمام لم تصح الصلاة، إلا لضرورة، وهي ضيق المكان، أما إذا كان المكان واسعاً أو توجد شوارع حول المسجد؛ فلا يجوز للمأموم -لأنه تابع- أن يتقدم على الإمام، فضلاً عن أن البعض يصلي في أماكن ليس فيها اتصال صفوف، فيقف لوحده في حجرة في المسجد أو خارجه ويتابع إمام المسجد في الصلاة، وهذا لا يصح، لأنه لا بد من اتصال الصفوف وأن يرى كل صف الذي قبله، وهذه من الأمور المهمة التي نفرط فيها كثيراً.

وهنا ثلاث حالات: الأولى: إذا كان المأموم واحداً، ووقف عن يسار الإمام، قال: لم تصح، والصحيح أنها تصح؛ لأن ابن عباس لما وقف عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم جذبه، وما أمره أن يعيد ما صلى عن يساره، هذا هو الكلام المعتبر، لكن إن وقف وحده خلف الإمام؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا صلاة لمنفرد خلف الصف)، فإن كان بمفرده لا بد أن يكون بجواره، أما إن اكتمل الصف وهو عاجز عن أن يقف مع آخر؛ فيسقط عنه الأمر، فلو دخلت المسجد فوجدت أن الصف قد اكتمل قف بمفردك خلف الصف وصلاتك صحيحة، وهذا هو القول الراجح.

أما من قال بجذب واحد من الصف الممتلئ فليس معه دليل فضلاً عن الخلل الذي أحدثه في الصف الأول وهو فرجة.

ثانياً: يتسبب في أن يرجع رجلاً من الصف الأول إلى الصف الثاني، وهو جاء مبكراً يريد الصف الأول وأجره، فيُرَدُّ إلى الصف الثاني.

أما أصول الفقه وأقوال الفقهاء فتؤيد ما قلناه من أن المكلف لا يكلف إلا ما في طاقته، إذ لا تكليف إلا بمقدور، فلو أن شخصاً مصاباً بكسور لا يلزم بالقيام في الصلاة على أساس أن القيام ركن فيها.

وفي مسألتنا هذه وهي إتيان الفرد لصلاة الجماعة مع اكتمال الصف، فينفرد بسبب عدم القدرة على الدخول في الصف، والحديث في البخاري حجة وكذا حديث أنس مع الطفل اليتيم والمرأة، يقول أنس: (صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وبجواري غلام يتيم، ووقف من خلفنا أم سليم بمفردها)، فـ أم سليم وقفت خلف الصف لوحدها كما في الحديث، فدل ذلك على أن صلاة المرأة منفردة خلف الصف تصح وصلاة الرجل منفرداً خلف الصف يصح كذلك، وأم سليم لم تجد من يقف بجوارها؛ فهي لا تكلف إلا قدر استطاعتها، وابن حجر يعلق على ذلك قائلاً: والدليل على هذه القضية حديث أنس.

وليس من المعقول ولا من المنقول أن تكلفني ما فوق طاقتي.

وهل على من أتى ولم يجد فرجة في الصف السابق أن ينتظر حتى يأتي شخص آخر معه في الصف، وإلا فعليه أن ينتظر؟ وإن لم يأت أحد فماذا يعمل؟ وجذب أحد المصلين إلى الصف الثاني ليس عليه دليل.

وإذا دخل اثنان معاً المسجد وفي الصف السابق فرجة لواحد فقط، فيسد أحدهما الفرجة والثاني يقف بمفرده في الصف، فإما أن يقف الاثنان في الصف الثاني ويدعا الفرجة دون أن تسد وهذا لا يصح، وصلاة أحدهما تبطل؛ لأنه إذا رأى المأموم فرجة وتركها، ووقف منفرداً بطلت، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يقف بمفرده خلف الصف وفي الصف السابق فرجة فأمره بإعادة الصلاة؛ لأنه وجد فرجة ولم يسدها بل أنشأ صفاً جديداً، هذا فقه الحديث، قال عليه الصلاة والسلام: (من وصل صفاً وصله الله، ومن قطع صفاً قطعه الله).

وإذا تيسر له أن يقف بجوار الإمام فهذا هو الأولى إذا كان سيتخطى الرقاب مسافة طويلة، فهذا عاجز وليس عليه حرج، بل يسقط للعجز.

حديث علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل صلى خلف الصف: (لا صلاة لمنفرد خلف الصف)، وأمره أن يعيد صلاته.

إذاً: المواضع المنهي عن الوقوف للمأموم: عن يسار الإمام أو أمامه أو منفرداً خلف الصف.

قال رحمه الله: [إلا أن تكون امرأة فتقف وحدها خلفه؛ لما روى أنس أنه قال: (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصففت أنا واليتيم وراءه وال