[صبر الشاب الملتزم على ما يحدث له من الفتنة في بيته]
السؤال
بعد أن هداني الله وأطلقت لحيتي تركت المنزل بسبب فتنة الأهل، فقالت لي أمي: أنا بريئة منك لو تركت المنزل، فهل أرجع للمنزل حالياً؟ وماذا أفعل؟
الجواب
الحقيقة أن الشكاوى تأتينا كثيرة من إخواننا الملتزمين، ولكن أطمئنهم أن هذا معتاد في كثير من البيوت، فالولد حينما يلتزم ويعفي اللحية يطرده أبوه ويقطع عنه المصروف؛ لأنه يخشى عليه من كذا وكذا، لذا لا بد عليه أن يصبر، وأن يستخدم الحكمة في مثل هذه المواقف، ولا يستقبل الغضب بغضب مثله، بل بالهدوء أو الابتعاد عن البيت مدة قصيرة ثم العودة.
وقد رأيت امرأة في المركز عندنا قد انتقبت فقامت الدنيا في بيتها ولم تقعد، بل وطلبوني في الساعة الثانية في الليل، أي: الأب والأم، وأخبروني عن حزنهم الأليم؛ لأن البنت قد لبست النقاب، وقالوا: لا يمكن أن تجلس في البيت! بل قال أبوها: على رقبتي لو جلست في البيت، وكذلك أمها قالت: أنا بريئة منها إلى يوم الدين، والبنت تبكي، وبعد أسبوع قلت للبنت: اصبري واحتسبي الأجر من الله، فتحول الأمر إلى الأفضل والأحسن، إنه الصبر، قال تعالى:{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا}[السجدة:٢٤]، فاصبر يا عبد الله! لأنه ما من أحد إلا أوذي، ولا يوجد أحد إلا قال له أبوه: اخرج من بيتي، بل ومنعه المصروف وشغله مكنيكياً، حتى إن بعض الإخوة أخذه أبوه وذهب به إلى المكنيكي فعلاً، وقال له: اجعله ينام تحت السيارة، وأقنعه أن يترك الطب ويشتغل مكنيكي سيارات؛ لأنه ملتح، وأبوه يقول له: تحلق لحيتك أو تبقى مكنيكياً، فقال: أبقى مكنيكياً، فاشتغل يومين أو ثلاثة، ثم طلب منه أبوه أن يعود إلى البيت، إذاً فالأمر يحتاج إلى صبر، والآباء لا تفهم وإنما يحركها العواطف، فتخاف فقط على ولدها من الاختلاط مع الفرق الضالة، كالخوارج والحزبيين ومن على شاكلتهم، ونحن لا ننادي بالجماعات أو بالعمل السري أو بالعمل التنظيمي، أو بالخروج على ولي الأمر أو بتكفير المعين، لا، لأن هؤلاء الذين يكفرون الناس قد جعلوا الأمة في أزمة، فخرجوا على الحكام، وقتلوا السياح، وسرقوا محلات المجوهرات، وتفلوا في وجوه المتبرجات، وهذا ليس من الدين، وليس هذا تغييراً للمنكر، بل لابد من الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، كتعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهود في المدينة، ومثله إن أراد المسلم أن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم: فلو أن رجلاً نصح أباه بإخراج الدش من بيته، وأتى له بالموعظة والحكمة الحسنة، ولم يسرع إلى تكسير هذا الدش، لأنه يعلم قوله تعالى:{إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ}[الشورى:٤٨]، فيكفي الرفق في القول، فإن استجاب فالحمد لله، وإن لم يستجب فلن يسألك الله يوم القيامة، وإنما سيسأل من له الولاية، وكذلك: المرأة المتبرجة، فالأب مسئول عنها أمام الله تعالى، وليس لأخيها أن يضربها ويعتدي عليها، لكن له ذلك على من له ولاية عليه، كزوجته وأولاده، أما الآن فليس له ولاية، وإنما ولايته أن ينصح وأن يبلغ:{إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ}[الشورى:٤٨]، وأن يصبر ويعتزل الفواحش والمعاصي والمنكرات، فهذا هو المنهج السليم، وما ضعنا إلا بسبب عدم فهم هذا المنهج، وعدم فهم المنهج، مشكلة كبيرة جداً، وهذا الكلام ممكن أن يغضب البعض، لذا لابد من الرفق واللين في الدعوة إلى الله تعالى، قال تعالى:{فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ}[طه:٤٤]، وهذا عبد الله بن المبارك رأى رجلاً كبيراً في السن قد عطس ولم يحمد الله، حالنا سيقول له: احمد الله يا جاهل، طول عمرك جاهل وستعيش جاهلاً، وأنا أعلمك من عشرين سنة وأنت جاهل، بل قال له: ماذا يقول الرجل بعد أن يعطس؟! فقال: يقول: الحمد الله، قال: إذاً يرحمك الله، فهذا هو يا عبد الله الأسلوب الأمثل في الدعوة إلى الله، بينما بعض الإخوة يدعو إلى الله بفظاظة وغلظة، وهذا لا يمكن أن يقبل بحال، قال تعالى:{وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}[آل عمران:١٥٩]، والدعوة إلى الله ينبغي أن تكون على علم، فلا تدع على جهل، والذي سبب لنا أن عدنا إلى الوراء هو أننا دعونا على جهل، لذا فلابد أن ندعو على علم.
(دخل شاب على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فقال له: يا رسول الله إئذن لي في الزنا! يريد رخصة في الزنا، فأجلسه النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: أترضاه لأمك؟ قال: لا، قال: أترضاه لعمتك؟ قال: لا، قال: أترضاه لخالتك؟ قال: لا، -وظل يعدد له محارمه وهو يقول: لا- ثم مسح على صدره ودعا له، يقول: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وأحب شيء إلى قلبي الزنا، وخرجت من عنده وأبغض شيء إلى قلبي الزنا).
إنها الحكمة والرفق في الدعوة، وتأمل حالنا لو دخل علينا شاب يقول: يا شيخ أريد أن تأذن لي بالزنا! لقيل له: اخرج يا داعر! يا هابط! أسلوب غليظ وفظ، لا بد من الحكمة في