للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إدراك المأموم للجماعة]

قال رحمه الله: [ومن كبر قبل سلام الإمام؛ فقد أدرك الجماعة] والمذهب على أن من أدرك الإمام ولو في التشهد؛ فقد أدرك الجماعة، وهذا هو الصحيح، والعلامة ابن حجر في فتح الباري جاء بهذا الكلام في أكثر من حديث؛ لأن البعض يقول: إدراك الجماعة بإدراك ركعة، وهذا غير صحيح، مثال ذلك: إذا أدركت الإمام يوم الجمعة في التشهد ودخلت معه؛ فقد أدركت الجمعة بإدراك التشهد، فتصليها ظهراً، لكن سقطت عنك الجمعة.

مثال آخر: سافرت مائتين وخمسين كيلو، فجئت أصلي فأدركت الإمام وهو في التشهد الأخير، فدخلت معه، فيلزمني أن آتي بأربع ركعات؛ لأنني صليت خلف مقيم.

فإدراكي التشهد يلزمني أن أصلي أربعاً، مع أنني مسافر، قال الفقهاء: إذا أدرك المسافر الإمام المقيم وهو في التشهد الأخير فعليه الائتمام به ويصلي أربعاً، فمن أدرك التشهد فقد أدرك الجماعة، والحديث في البخاري وقد علق عليه ابن حجر تعليقاً وافياً، قال: إن من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر، والمفروض أن يحسب الثلث داخل في الوقت وثنتين خارج الوقت، لكن من فضل الله على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أنه يعطيهم أجراً كاملاً.

وهذا الحديث الذي وقع فيه صاحب كتاب (عمر أمة الإسلام)، وهو أن اليهود عملوا من الفجر إلى الظهر، والنصارى من الظهر إلى العصر، والمسلمين عملوا من العصر إلى المغرب، فصاحب العمل أعطى من عمل من الفجر إلى الظهر أجراً، وأعطى الذي عمل من الظهر إلى العصر أجراً، وأعطى الذي عمل من العصر إلى المغرب أجرين، فاعترض الأولان، وقالوا: كيف يأخذ ضعفينا وقد عمل أقل منا، أي: أن اليهود عملوا أطول وقتاً منا، لكن الله أعطى الأمة الإسلامية مثل ما أعطى الأمتين معاً، فلما اعترضوا قال لهم: ذلك فضلي أوتيه من أشاء، هل ظلمتكم؟ قالوا: لا.

والإمام البخاري يأتي بهذا الحديث، وصاحب كتاب (عمر أمة الإسلام) قال: إن عمر أمة الإسلام تساوي عمر أمة اليهود والنصارى مجتمعتين.

قال رحمه الله: [ومن كبر قبل سلام الإمام؛ فقد أدرك الجماعة؛ لأنه أدرك جزءاً من صلاة الإمام فأشبه ما لو أدرك ركعة، ولأنه إذا أدرك جزءاً من الصلاة فدخل مع الإمام؛ لزمه أن ينوي الصفة التي هو عليها، وهو كونه مأموماً فيدرك فضل الجماعة.

ومن أدرك الركوع فقد أدرك الركعة، وإلا فلا]، وهذه المسألة فيها خلاف، ورأي الجمهور أن من أدرك الإمام راكعاً؛ فقد أدرك الركعة، وحد الإدراك أن يدرك معه تسبيحة واحدة مطمئناً؛ لحديث أبي بكرة: لما جاء متأخراً، فكبر خلف الإمام وركع، وسار وهو راكع حتى وصل الصف وأدرك الركعة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (زادك الله حرصاً ولا تعد)؛ وصاحب تحفة الأحوذي وغيره قالوا بعدم اعتمادها ركعة إلا بإدراك الفاتحة، لكن قول الجمهور أرجح، وأدلته كالشمس واضحة في رابعة النهار.

قال: [لما روى أبو هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أدركتم السجود فاسجدوا، ولا تعدوها شيئاً، ومن أدرك الركوع فقد أدرك الركعة)، رواه أبو داود] أي: من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة، إلى غير ذلك من الأدلة التي تبين أن إدراك الركوع إدراك للصلاة.

ودليلنا أيضاً: ما عليه جمهور العلماء عدا الأحناف: أن من أدرك الإمام راكعاً في صلاة الجمعة في الركعة الثانية فقد أدرك ركعة فليصل جمعة، ومن أدركه ساجداً فلم يدرك فليصل ظهراً، فجعلوا إدراك الركوع يوم الجمعة إدراك الجمعة؛ فيصلي ركعتين، وهذا قول جمهور العلماء، ولا خلاف بينهم في هذا القول.