[أحكام في الرقية]
قال المؤلف رحمه الله: [(فبينما هم كذلك إذ لدغ سيد أولئك، فقالوا: هل فيكم من راق؟ فقالوا: لم تقرونا فلا نفعل، أو تجعلوا لنا جعلاً، فجعلوا لهم قطيع شياه، فجعل رجل منهم يقرأ بأم القرآن، ويجمع ريقه ويتفل)].
إن أصحاب هذا الحي يسألون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: (هل فيكم من راق)، يعني: استخدام الرقية كان معروفاً عند العرب، وطالما أن الرقية ليس فيها شرك جازت، والبعض يستدل بهذا الحديث على جواز أخذ المقابل في الرقية، لكن الحديث له مناسبة، وهي: أن هؤلاء لم يضيفوهم فافترضوا لهم جعلاً من باب عدم الإقراء؛ ونحن نؤمن بوجود الرقية لا شك في هذا، لكن البعض أخذ المسألة وتوسع فيها حتى حدد مبلغاً معيناً للعلاج، الكشف بعشرة جنيهات، والكشف من السحر بخمسة عشر جنيهاً، والمس بسبعة جنيهات، والحسد بثمانية جنيهات، وتعليق السماعات بخمسة جنيهات، والمسك الإنجليزي بخمسين جنيهاً، وورق السدر بكذا وهذا كله من الدجل، فاحذر أن تقع فريسة لهؤلاء، فالأصل أن تنفع أخاك بغير مقابل، فالرقية الشرعية تجوز، ولكن من دون مقابل وبضوابط.
قال: [(فجعلوا لهم قطيعاً من الشياه، فجعل رجل منهم يقرأ بأم القرآن)].
يعني: بالفاتحة على اللديغ، فالقرآن شفاء من كل داء من الأمراض الجسدية ومن الأمراض القلبية والمعنوية، ولدغ الثعبان معناه: أنه يحتاج عندنا في الطب إلى مصل وحقنة لإبطال مفعول السم، فالفاتحة تبطل هذا المفعول، وهكذا تفل الصحابي في موضع الجرح ثم قرأ الفاتحة، ويستحيل أن يصل أحد إلى درجة الصحابي، فالسيف بضاربه لا بحده والمعنى: إذا كنت تجيد إصابة الهدف تحقق الإصابة من أول وهلة، فالفاتحة هي الفاتحة، لكن أين عمر؟.
والبعض يثق في الراقي ولا يثق في الرقية، فيقول: أنا أريد شخصاً يعالج، فهذا شرك يا عبد الله! أو يقول: ابعثني إلى رجل متمكن! هل أنت تثق فيه أم تثق في الرقية؟ الثقة في الرقية وفي القرآن: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء:٨٢]؛ لذلك ابن القيم يقول في الجواب الكافي: وأمكث في مكة وتعتريني بعض الأمراض ولا أذهب إلى طبيب، وكنت أرقي نفسي بالفاتحة، فأجد لها أثراً عجيباً.
فالمهم التوكل وحسن الثقة بالله عز وجل.
قال: [(فبرئ الرجل فأتوهم بالشاة، فقالوا: لا نأخذها حتى نسأل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألوا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: وما يدريك أنها رقية، خذوها واضربوا لي فيها بسهم)].
والمعنى: أن النبي عليه الصلاة والسلام أقرهم على الجعل الذي أخذوه، فلم يرق ذلك الصحابي إلا أن يجعلوا له جعلاً، ولم يأخذوا الجعل إلا بعد أن استفتوا النبي عليه الصلاة والسلام، فأقرهم على قبوله وقال: (اضربوا لي بسهم).
قال: [ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك في رد الضالة ونحوها فجاز كالأجرة.
ولو التقط اللقطة قبل أن يبلغه الجعل لم يستحقه؛ لأنه يجب عليه ردها إذا وجدها، فلا يجوز له الأخذ على الواجب].
يعني: المفروض علي شرعاً أن أرد اللقطة فلا أطلب لها مقابلاً؛ لأن هذا من باب الواجب، فلا أستحق على أداء الواجب مقابلاً شرعياً.