للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أنواع الربا وحكمه]

وقسم العلماء الربا إلى قسمين، وكان بعض السلف يرى أن الربا قسم واحد، وهو ربا النسيئة.

والنسيئة هي: التأخير، فلو أعطيتك ألفاً من الجنيهات على أن تردها لي في (١ محرم ١٤٠٥) هذا الأجل وهذا القرض، فإن جاء شهر المحرم وعجزت أنت عن السداد، أقول لك: اقضني.

فتقول: ليس معي أنا معسر، فأقول: إن تأخرت بعد ذلك فكل يوم يمر ففيه زيادة مقابل التأخير، هذا هو ربا النسيئة.

يقول ربنا: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:٢٨٠]، يعني: المعسر أمهله وأعطيه أجلاً للسداد، وصورة ربا الجاهلية أن الواحد منهم كان يقرض أخاه مبلغاً من المال فإن تأخر عن السداد زاد، وهذا فعل البنوك الربوية اليوم، تعطيك (٢٠٠٠) من الجنيهات وتأخذها (٢٢٠٠) مثلاً، تعطيك (١٠٠٠) وتأخذها (١٢٠٠) هذا يسمى ربا النسيئة.

وله صورة أخرى: أعطيك أيضاً مبلغاً من الجنيهات لا لأجل، وإنما على أن تقضيني إياه بمبلغ أعلى، يعني: أنت محتاج ١٠٠٠، خذ ١٠٠٠ وردها لي ١٥٠٠، وهذا هو عين الربا.

ولذلك الربا محرم بالكتاب والسنة والإجماع، يقول ربنا عز وجل: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة:٢٧٥]، وتعاملاتنا الآن -إلا القليل منها- يشوبها الربا، صندوق التكافل الاجتماعي الذي تدفع فيه مبلغاً من المال ثم يوضع في البنك بسعر فائدة، وهذا عين الربا.

وهناك ما يسمى بالتأمين التعاوني وهو جائز عند العلماء، لكن التأمين التعاوني معناه: أنا وأنت وهذا وهذا أصحاب حرفة واحدة نشترك في صندوق، نضع فيه اشتراكاً شهرياً بشرط أنه إذا حل بأحدنا ملمة أخذ من الصندوق المبلغ بشروط: أولاً: ألا نوسط البنك.

ثانياً: أن الصندوق يدار بمعرفة أصحابه.

ثالثاً: أن المبلغ الذي أريده أنا إذا كان أكبر من القسط نزيده، وإذا كان أقل نأخذ الزيادة، هذا التأمين التعاوني الذي تحدث عنه العلماء، أما توسيط البنك بسعر فائدة في أي تعامل فهو ربا.

يعني: أنا مثلاً حدثت لي مشكلة تستحق مبلغ (٢٠٠٠٠)، وفي الصندوق ١٥٠٠٠، إذاً: كل واحد منا يدفع (٥٠٠٠) حتى نستكمل (٢٠٠٠٠)، إن كان المبلغ الذي أستحق (١٠٠٠٠) إذاً: ٥٠٠٠ ترد إلى أصحابها، هذا هو التأمين التعاوني الذي تحدث عنه الدكتور بكر أبو زيد وتحدث العلماء في مشروعيته.

أما ربا الفضل فهو من التفاضل، والتفاضل: أن سلعة تفضل سلعة، ومعنى تفضلها: تزيد عنها، وهذا يجوز إلا في أصناف عينها الشارع سداً للذريعة، فتحريم ربا الفضل من تحريم الوسائل وليس من تحريم الذوات، بعكس ربا النسيئة فهو محرم لذاته، وربا الفضل محرم لوصفه.

مثال: الخمر محرمة لذاتها، البيع عند نداء الجمعة محرم لوصفه؛ لأن الله تعالى يقول في هذا الوقت: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة:٩]، أصل البيع حلال، لكن البيع في هذه الساعة حرام، وبيع العنب حرام، وإن كان البيع لأجل أن يصنع منه خمر حرام، فهو حرام لوصفه.

فالحرام قسمان: حرام لذاته وحرام لوصفه، رجل يبني برجاً سكنياً، وأتاه رجل وقال: أجرني هذا المحل لأقيم فيه سينما، فهل الإيجار حلال أم حرام؟ أصل الإيجار حلال، ولكن أتت صفة وقلبته إلى حرام، وهي أنه يريد أن يستغله في سينما والسينما حرام، فهذا حرام لوصفه، فالحرام قسمان: حرام لذاته، وهو ما حرمه الشارع سواء بالكتاب أو بالسنة، فالخمر محرم لذاته، والربا محرم لذاته، والسرقة محرمة لذاتها، القتل محرم لذاته وهكذا كل ما جاء في الكتاب والسنة أنه حرام فهو حرام لذاته، وأما الحرام لوصفه فهو في الأصل حلال، ثم جاءت صفة فجعلته حراماً فهو حرام، وربا الفضل من هذا القسم، وقد علمتم ربا النسيئة بأنه ربا الزيادة، وربا الفضل هو التفاضل بين أنواع معينة حددها الشارع بعينها، وهي ستة أصناف.

يقول: [قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة بن الصامت: (لعن الله آكل الربا وكاتبه وموكله وشاهديه)].

يعني: الذي يشارك في عملية الربا ويوافق عليها أيضاً تصيبه اللعنة، ومن هنا كاتب العقد ملعون، والذي يعطي المال ملعون، والذي يشهد على هذا التعامل ملعون.