للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من الأحوال التي يجوز فيها للمشتري الرجوع عن البيع]

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد: قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولو أخبره بثمن المبيع فزاد عليه رجع عليه بالزيادة، وحظها من الربح إن كان مرابحة].

قسم العلماء الخيار إلى سبعة أقسام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا بأبدانهما)، والمعنى: أن البيع بالخيار للبائع وللمشتري، أو بالخيار للمشتري، أو بالخيار للبائع، كل هذا يجوز، ومعنى الخيار أن ترد السلعة إن لم يكن لك رغبة فيها وهناك خيار المجلس وخيار الشرط وخيار الغبن -أي: الظلم- والخيار لاختلاف المتبايعين.

يقول المصنف: (ولو أخبره بثمن المبيع) أنا أبيع لك سلعة، فأحدد لك ثمن السلعة، وأطلب منك ربحاً مقداره جنيهان، هذه هي المرابحة، وهو مشروع.

قال: [ولو أخبره بثمن المبيع].

معناه: البائع أخبر المشتري بثمن السلعة، فزاد عليه، أي: أنه قال له: هذه السلعة أصل ثمنها مائة، وكان أصل ثمنها تسعين فزاد عليه عشرة.

قال: [رجع عليه بالزيادة وحظها من الربح إن كان مرابحة].

قال في الشرح: [يثبت الخيار في بيع المرابحة للمشتري إذا أخبره البائع بزيادة في الثمن كاذباً، كما لو أخبره بأنه كاتب أو صانع، فاشتراه بثمن كثير وبان بخلافه، فثبت للمشتري الخيار بين الرد والإمساك مع الحظ نص عليه؛ لأنه لا يأمن الخيانة في الثمن أيضاً، ولابد من معرفة المشتري رأس المال؛ لأن العلم بالثمن شرط، ولا يحصل إلا بمعرفة رأس المال، والمرابحة: أن يخبر برأس المال، ثم يبيعه بربح معلوم، فيقول: رأس مالي مائة.

بعتك بها وربح عشرة، فهو جائز غير مكروه؛ لأن الثمن معلوم، ثم إذا بان ببينة أو إقرار أن رأس المال تسعون فالبيع صحيح؛ لأنه زيادة في الثمن، فلم يمنع صحة البيع كالمعيب، وللمشتري أن يرجع على البائع بما زاد -وهو عشرة- وحظها من الربح -وهو درهم- فيبقى على المشتري تسعة وتسعون درهماً].

المشتري اشترى سلعة ببيع المرابحة من البائع، واشترط عليه أن يربح فيها عشرة، وله الخيار إن تبين أن سعرها أقل من مائة فله أن يردها، فذهب المشتري إلى بيته، فوجد ببينة أو بإقرار أن البائع زاد عليه في رأس مالها فهو بالخيار إما أن يرد السلعة ويأخذ الثمن، وإما أن يمسك السلعة ويأخذ الفرق مع حظه من الربح، نضرب مثلاً: السلعة ثمنها مائة، اشترى منه سلعة بمائة وعشرة مرابحة، ثم تبين له ببينة أو إقرار، أن السلعة ثمنها تسعون، إذاً: زاد عليه عشرة، فعلى ذلك يدفع المشتري تسعة وتسعين، فيكون الفرق إحدى عشر: العشرة الزيادة، والواحد فرق الربح.

إذاً: له أن يعود عليه بالزيادة مع فرق الربح.

إذاً: المشتري بالخيار إما أن يرد السلعة ويحصل على الثمن كاملاً؛ لأنه أثبت ببينة وإقرار أن البائع قد زاد عليه في ثمنها، أو أن يمسك السلعة مع أن يرد الفرق مع حظه من الربح.

يقول: [وإن بان أنه غلط على نفسه].

يعني: البائع قال: أصلها تسعون وربحها عشرة، فباعها من المشتري بمائة، ثم تبين للبائع غلطه فقال: أصلها مائة.

قال: [خير المشتري بين رده وإعطائه ما غلط له، فإذا قال في المرابحة: رأس مالي فيها مائة والربح عشرة ثم عاد، فقال: غلطت.

رأس مالي فيه مائة وعشرة لم يقبل قوله في الغلط إلا ببينة تشهد أن رأس ماله عليه ما قاله.

ذكره ابن المنذر].

والمعنى: أن البائع إذا غلط في السعر لا يقبل قوله إلا ببينة تبين أنه أخطأ، وفيه ثلاث روايات للإمام أحمد أحدها مذهب الشافعي.

قال: [وعنه رواية ثالثة: أنه لا يقبل قول البائع وإن أقام بينة حتى يصدقه المشتري، وهو قول الشافعي رحمه الله].

الرأي الأول: أن يقبل قول البائع وله الخيار، الرأي الثاني: أن يقبل قول البائع ببينة ويمين، القول الثالث: أن يقبل قول البائع ببينة مع تصديق المشتري، فالمشتري يقول: حتى لو حلفت أو بينت أنا لن أصدق، وهذا قول الشافعي أنه لا اختيار للبائع في الرد؛ لأن الغلط يلتزم به هو ولا ذنب للمشتري، وهذا الراجح من أقواله، وإلا ستنقلب البيوع إلى فوضى، كلما أخطأ يقول: أخطأت والله أخطأت، فلابد من بينة، ولابد أن يقبل المشتري قول البائع في هذا.

قال: [وإن بان أنه مؤجل ولم يخبره بتأجيله فله الخيار بين رده وإمساكه].

يعني: اشتريت منك سلعة على أنك اشتريتها نقداً، وشراء النقد معلوم أنه أقل، فقلت لي: هذه السلعة سأبيعها لك، لكنني أخبرك أنني اشتريتها بالأجل، ومعنى شرائها بالأجل أن سعرها أعلى، إذاً: باعها على أنه اشتراها مؤجلة، ثم بعد أن اشتراها المشتري منه بهذا الوصف وهذا التبيين تبين له أنه اشتراها نقداً، إذاً: اشترى مؤجلاً وباع له نقداً.

إن فقه البيوع أمانة: (فإن بينا بورك لهما في بيعهما)، فلو أنني اشتريت سلعة من أخ لي، وهو عنده لي مائة جنيه منذ سنتين كلما أقول له: أعطني المائة جنيه يقول: بعد أسبوع بعد أسبوع، فوجدت عنده مسجلة