قال:[ثم يدفع مع الإمام إلى مزدلفة على طريق المأزمين وعليه السكينة والوقار، وذلك أنه لا ينبغي للناس أن يدفعوا حتى يدفع الإمام]، وهذا حين يكون للأمة إمام، فيتحرك الإمام ويتحرك الناس من خلفه، أما الآن فقد سقطت الخلافة الإسلامية، وكل يدّعي أنه إمام أهل السنة، بل ونجح أعداؤنا في وضع الحدود الجغرافية بين كل بلد وآخر، حتى رؤية رمضان وذو الحجة لم تفلح الأمة في توحيدها إلى الآن، ولذلك يروى أن هارون الرشيد نظر إلى سحابة في السماء فقال لها: أمطري حيث شئت فإن خراجك سيأتيني.
أي: في أي بقعة من الأرض أمطرت فسيأتيني خراجك إن شاء الله، ومعنى هذا: أن الإسلام قد شمل كل بقاع الأرض، وأن الأرض كلها كانت تخضع للإسلام ولولي أمر المسلمين، فتأملوا في هذا وانظروا إلى ما وصلنا إليه! وحذيفة بن اليمان رضي الله عنه حينما جاء من أرمينيا أو أذربيجان اقترح على ذي النورين أن يجمع المصحف على حرف واحد؛ لاختلاف القراء، فهذا يقرأ بلغة وهذا بلغة أخرى، والقرآن قد نزل على سبعة أحرف، فتأمل كيف أن حذيفة جاء من أقصى الدنيا، أي: أن الإسلام قد عم الأرض جميعاً، ولذا فلا أمان ولا اطمئنان في هذا العالم إلا إذا ساده الإسلام، فهو دين الله عز وجل الذي ارتضاه للخلق أجمعين.
قال: [وهو الوالي الذي إليه أمر الحاج من قبل الإمام، فالمستحب أن يقف حتى يدفع الإمام، ثم يسير نحو المزدلفة على طريق المأزمين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سلكه وإن سلك الطريق الآخر جاز، ويكون عليه سكينة ووقار؛ لقوله عليه الصلاة والسلام حين دفع وقد شنق القصواء بالزمام حتى إن رأسها ليصيب موركة رحله ويقول بيده اليمنى:(أيها الناس السكينة السكينة)].
ويحضرني الآن قول عمر رضي الله عنه حينما نظر إلى الحجاج فوجد العدد كبير: الركب كثير والحاج قليل، أي: من ذهب طلباً لرضا ربه ومغفرته، وأتقن العمل، ويخاف ألا يتقبل الله منه، فهو حاج، وهؤلاء قليل، ومن ذهب ليقال: إنه قد ذهب ليحج، حتى أنك ترى السيارات والأعلام البيض، والطبل والمزامير في انتظاره، وبعد عودته من الحج لم يتغير سلوكه، فهؤلاء ركب وهم كثير.
ثم قال: [وقال عروة: (سئل أسامة -وأنا جالس-: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في حجة الوداع؟ قال: كان يسير العنق، فإذا وجد فجوة نص)]، أي: أنه إذا وجد الطريق ميسورة للمشي مشى، وإذا وجد الزحام توقف، وفي هذا إشارة إلى أنه لا ينبغي أن تزاحم الناس وتؤذيهم.