للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فدية قتل الصيد]

قال: [وجزاء الصيد مثل ما قتل من النعم، أجمع أهل العلم على وجوب الجزاء على المحرم بقتل الصيد، وقال الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة:٩٥]].

والمقصود: أن من قتل صيداً فعليه مثله، ويشترط أن يكون وحشياً مباحاً، ومعنى وحشي: أنه لا يقتنى في البيوت، ومعنى مباح: أنه ليس بحرام، فقال: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة:٩٥] أي أنه يحكم بالمشابه أو المماثل ذوا عدل.

قال المصنف رحمه الله: [فمن قتل الصيد ابتداء من غير سبب يبيح قتله ففيه الجزاء، فأما إن اضطر إلى أكله فيباح له أكله بلا خلاف نعلمه، ويلزمه ضمانه؛ لأنه قتله لحاجة نفسه ودفع الأذى عنه من غير معنى حدث في الصيد يقتضي قتله فلزمه جزاؤه كحلق الرأس لدفع الأذى عنه].

فلو أن رجلاً اصطاد لسبب شرعي، كأن بلغ به الجوع مبلغه، وإن لم يصطد هلك، في هذه الحالة نقول له: يلزمك ضمان هذا الصيد لصاحبه إن كان له صاحب، ولذلك من أسباب نقصان عقود التأمين: أنها تجعل الضامن شريكاً في التأمين، والمفروض شرعاً أن الضامن هو المتسبب في التلف، فلو أن رجلاً صدم سيارة في الطريق العام، فيرفع القضية على شركة التأمين، وكان من المفترض أن من يلتزم بالضمان من أتلف، لكن هنا يدخل طرف ثالث يفسد العقد، فمن أسباب فساد عقود التأمين الأربعة التي ذكرها العلماء: أن من يلتزم بالضمان ليس هو المتسبب في التلف، وعندنا في الشريعة أن من أتلف شيئاً يلزمه الضمان، فالضمان على من أتلف لا على شركة التأمين التي تتاجر بعقود ضرر وربا.

قال: [وإن صال عليه] يعني: صال عليه الصيد [فلم يقدر على دفعه إلا بقتله، فله قتله ولا ضمان عليه].

أي: أنه اعتدى عليه الطائر، ولا يستطيع أن يدفعه عن نفسه إلا بقتله، فله قتله ولا ضمان عليه.

[لأنه ألجأه إلى قتله فلم يجب ضمانه كالآدمي الصائل] والصائل: هو المعتدي الذي يبدؤك بالقتال، فيلزمك أن تدافع عن نفسك وإلا أصبحت مقصراً، أي: أن رجلاً جاء إلى دارك واعتدى عليك، وأراد أن يدخل البيت وأن يأخذ مالك، أو أن يعتدي على عرضك، فهذا يسمى في الشرع صائل، ولا بد أن ندفعه، كابن آدم لما قال لأخيه: {لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ} [المائدة:٢٨] أي: أن ابن آدم الأول هو الصائل، والآخر هو المعتدى عليه.

ما معنى قوله: {لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ} [المائدة:٢٨]؟ قال بعض العلماء: المعنى: لئن بسطت إلي يدك لتبدأني بالقتال فلن أبسط إليك يدي لأبدأك بقتال، فهو كف عن البدء، وليس معنى ذلك أنه كف عن الدفاع.

وقال بعضهم: أي: لن أبدأ بقتلك إلا إذا بدأت بقتلي، هذا المعنى المقصود في الآية، ولا يؤخذ من الآية أن الصائل تسلّم له نفسك، وتقول: {لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ} [المائدة:٢٨] فهذا الكلام غير صحيح، لكن شرعاً لا بد أن تدفع عن نفسك، (من مات دون ماله فهو شهيد، ومن مات دون عرضه فهو شهيد)، (قيل: يا رسول الله! أرأيت إن جاء رجل يريد أن يأخذ مالي؟ قال: لا تعطه مالك، قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: فقاتله، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار)، وهذا هو الحكم الشرعي؛ لأنك هنا تدافع عن نفسك.