للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال جميع المعتزلة: «إنّ كلام الله تعالى مثل كلام المخلوقين، وإنّ البشر يقدرون على الإتيان بمثله، وبما هو أفصح منه، وإنما منعوا من ذلك في بعض الأوقات» «١».

والدليل على أن القرآن غير مخلوق قول الله عزّ وجلّ: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ «٢».

فلو كان القرآن مخلوقا لكان مخلوقا بقول آخر وأدّى ذلك إلى أن لا يوجد منه سبحانه فعل أبدا.

اذ لا بد أن يوجد «٣» قبل ذلك الفعل أفعال هي أقوال ليس لها غاية، وذلك محال «٤»، ثم إنّ المخلوقات قسمان: جسم وعرض، فلو كان القرآن مخلوقا: لكان «٥» إمّا جسما وإمّا عرضا، والجسم يقوم بنفسه.

فلو كان القرآن جسما: لكان قائما بنفسه، ويلزم من ذلك وجود كلام غير قائم بمتكلم.

ولا يصح أيضا أن يكون عرضا مخلوقا، لأنّه لو كان كذلك: لم يخل أن يقوم بنفس


(١) في الملل والنحل للشهرستاني ١/ ٥٦، «قال إبراهيم بن يسار النظام المتوفي سنة ٢٣١ هـ: إن إعجاز القرآن من حيث الأخبار عن الأمور الماضية والآتية ومن جهة صرف الدواعي عن المعارضة، ومنع العرب من الاهتمام به جبرا وتعجيزا، حتى لو خلاهم لكانوا قادرين على أن يأتوا بسورة من مثله بلاغة وفصاحة ونظما» اه.
«وقال عيسى بن صبيح- أحد رؤساء المعتزلة- المتوفي حدود سنة ٢٢٦ هـ إنّ الناس قادرون على مثل القرآن فصاحة ونظما وبلاغة وهو الذي بالغ في القول بخلق القرآن ... » اه.
الملل والنّحل للشهرستاني ١/ ٦٩.
(٢) النحل (٤٠).
(٣) في ظق: أن يكون.
(٤) وهو نحو كلام أبي الحسن الأشعري حيث يقول: «ومما يدل من كتاب الله على أن كلامه غير مخلوق قوله عزّ وجلّ: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ النحل (٤٠)، فلو كان القرآن مخلوقا لوجب أن يكون مقولا له: كُنْ فَيَكُونُ، ولو كان الله عزّ وجلّ قائلا للقول كُنْ لكان للقول قولا، وهذا يوجب أحد أمرين:
أ) إما أن يؤول الأمر إلى أن قول الله غير مخلوق.
ب) أو يكون كل قول واقع بقول لا إلى غاية، وذلك محال، وإذا استحال ذلك: صح وثبت أنّ لله عزّ وجلّ قولا غير مخلوق.
الإبانة عن أصول الديانة: ٨٦. وراجع ٩٩، ٥٤ من المصدر نفسه.
(٥) في د: كان.

<<  <  ج: ص:  >  >>