فقد شبه السخاوي هذا الموضوع بالجبل العظيم في ارتفاع قمته وضخامة منبته، لتشعب أطرافه من ناحية وخطورته من ناحية أخرى، لأن معرفة الناسخ والمنسوخ ليس بالأمر السهل، بل يجب على من يلج في خضم هذا الموضوع الخطير أن يكون لديه دراية بالقرآن الكريم والسنة المطهرة وأقوال الصحابة الذين عاصروا التنزيل وعرفوا التفسير والتأويل. فليس للعقل فيه مجال حتى يمكنه أن يجد ويجتهد ويستنبط بتفكيره ومهارته، وإنما هو أمر توقيفي ممن لا ينطق عن الهوى صلّى الله عليه وسلّم أو ممن شاهدوا الوحي وعرفوا الناسخ من المنسوخ، وليس عليه إلا أن يعمل فكره في معرفة صحيح ذلك من سقيمه، وأن يغوص في بطون كتب التفسير وعلوم القرآن ليقف على ما توصل إليه العلماء الجهابذة في هذا الشأن رحمة الله عليهم جميعا، وهذا ما فعله الإمام السخاوي في كلامه على الناسخ والمنسوخ، وسأترك هذا الفصل الضخم يتحدث عن نفسه وينبئ عما يحمله في طياته ولكن قبل أن أبدأ في تحقيقه أذكر بعض النقاط حول أهمية هذا الموضوع الخطير، ملخصا ذلك من كتاب مناهل العرفان:-- أن هذا الموضوع كثير التعاريج متشعب المسالك طويل الذيل. - أنه كان ولا يزال مثار جدال وخلاف شديد بين العلماء. - أن أعداء الإسلام كالملاحدة والمستشرقين والمبشرين قد اتخذوا من النسخ أسلحة مسمومة طعنوا بها