الخلاف، ووقف موقفا محايدا، وما رآه معتمدا على الدليل والبرهان، وإنّه داخل في الناسخ والمنسوخ، وقف إلى جانبه مؤيدا إياه بالأدلّة، وقد يسوق في الآية عدة أقوال، ثم يقول: وقد سقت هذه الأقوال ليعلم أنّ القول بالنسخ ظن لا يقين.
- وقد تبين لي من أسلوبه في إيراده لكثير من قضايا النسخ، أنّه كان يحكي أقوال العلماء مجرد حكاية، وليس راضيا عن كثير منها، ولذلك نجده عند ما وصل إلى سورتي الفتح والحجرات يقول: ولم يذكروا في (الفتح ولا الحجرات) شيئا من المنسوخ، فلتهنهما العافية!!.
- وكان- رحمه الله- حريصا على استيفاء شروط النسخ، فما كان من قبيل الأخبار والوعد والوعيد والتنديد والتهديد، لم يقبل القول فيه بالنسخ بحال، وردّ على القائلين بذلك، ورماهم بعدم التحصيل والمعرفة «١».
- وحاول أن يقتفي أثر السلف في كثير من قضايا النسخ، وأن يعتذر عما ورد عن بعضهم من إطلاق النسخ على بعض القضايا، وقال: إنهم يريدون بالنسخ غير ما نريده نحن- هذا إن صح ذلك عنهم- وأما القول بالنسخ على اصطلاح المتأخرين فلا يصح ولا يجوز بالظن والاجتهاد.
[أقسام سور القرآن فيما يتعلق بالنسخ وعدمه]
رأيت معظم من ألّف في الناسخ والمنسوخ، يعقدون بابا لأنواع سور القرآن من حيث اشتمال بعضها على الناسخ والمنسوخ، وبعضها على الناسخ فقط، وبعضها على
المنسوخ، وخلوّ البعض الآخر من ذلك كله، ويعدون السور التي تندرج تحت كل نوع منها، ورأيت الامام السخاوي- رحمه الله- لم يفعل ذلك.
ونظرا لأهمية هذه القضية وكثرة الخلاف حولها، فقد تتبعت كلامه، وتبيّن لي- بعد الاستقراء لكلامه حول النسخ- أنّ سور القرآن تنقسم إلى أربعة أقسام، سواء كان القول بالنسخ صحيحا وثابتا، أو ضعيفا ومردودا:
(١) وقد ذكرت بعض تلك العبارات عند الحديث عن قوة شخصيته (ص ٤٤).