للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويدل عليه قوله عزّ وجلّ إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ «١»، فأمر الله «٢» لمن استقام على عهده ولم ينقضه بأن يتم له عهده، وأن يؤخر من نقض عهده وظاهر على النبي صلّى الله عليه وسلّم أربعة أشهر «٣».

قال تعالى فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ففسح لمن كان له عهد ونقض قبل انتهائه، ومن له أربعة أشهر فما دون أن يتصرفوا في الأرض مقبلين ومدبرين، ثم لا أمان لهم بعد ذلك.

قال مجاهد: أولها من يوم النحر إلى عشر من ربيع الآخر «٤».

وقال الزهري: أولها شوال وآخرها آخر محرم «٥». وتسمى أشهر السماحة أيضا، لأنه سمح لهم فيها بالتصرّف.

وقال ابن عباس: (من لم يكن له «٦» عهد إنما جعل أجله خمسين ليلة، عشرين من ذي الحجة والمحرم) «٧»، يدلّ على ذلك قوله عزّ وجلّ فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا


رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عهد فعهده إلى مدته. أوضح دليل على ما قلنا، وذلك أن الله لم يأمر نبيه صلّى الله عليه وسلّم بنقض عهد قوم كان عاهدهم إلى أجل، فاستقاموا على عهده بترك نقضه، وأنه إنما أجل أربعة أشهر من كان قد نقض عهده قبل التأجيل، أو من كان له عهد إلى أجل غير محدود، فأما من كان أجل عهده محدودا، ولم يجعل بنقضه على نفسه سبيلا، فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان بإتمام عهده إلى غاية أجله مأمورا وبذلك بعث مناديه ينادي به في أهل الموسم من العرب اه جامع البيان: ١٠/ ٦٣.
وانظر: بقية الآثار التي ساقها الطبري بأسانيده عن علي رضي الله عنه وغيره في هذه القضية.
(١) التوبة (٧).
(٢) لفظ الجلالة ليست في ظق. وفي د وظ: فأمر من استقام.
(٣) وسيأتي- إن شاء الله- مزيد بيان لهذا في أول سورة التوبة. والله الموفق.
(٤) قال القرطبي: وهذا قول مجاهد وابن إسحاق وابن زيد وعمرو بن شعيب، قال: وقيل لها حرم:
لأن الله حرم على المؤمنين فيها دماء المشركين والتعرض لهم إلا على سبيل الخير اه.
الجامع لأحكام القرآن؛ ٨/ ٧٢، وانظر: تفسير الطبري: ١٠/ ٧٩ وقد سبق أن قرر هذا السخاوي أثناء كلامه على قوله تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ .. حيث قال هناك:
إن المراد بالأشهر في قوله تعالى فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ ... إنما هي تبدأ من يوم النحر ...
الخ ص ٦١٣.
(٥) انظر: تفسير الطبري: ١٠/ ٦٢ والإيضاح ص ٣٠٨، والناسخ والمنسوخ للنحاس ص ١٩٥، قال ابن الجوزي: قال أبو سليمان الدمشقي: وهذا أضعف الأقوال لأنه لو كان كذلك لم يجز تأخير أعلامهم به إلى ذي الحجة، إذ كان لا يلزمهم الأمر بعد الإعلام اه. زاد المسير: ٣/ ٣٩٤.
(٦) ساقط من د.
(٧) انظر: الناسخ والمنسوخ لأبي عبيد ص ٤٢٥، وتفسير القرطبي ٨/ ٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>