للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي طريق أخرى: «فكنت كلما أردت أن أسأله عن مسألة تصدقت بدرهم، حتى لم يبق معي غير درهم واحد، فتصدقت به وسألته، فنسخت الآية، ونزل ناسخها أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ... «١»

الآية».

واختلفوا في سبب الأمر بذلك:

فقال قائلون: كان ذلك تعظيما لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

وقال ابن عباس وقتادة: أكثروا من المسائل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، حتى شقوا عليه، فأراد الله أن يخفف عن نبيّه صلّى الله عليه وسلّم، فصبر كثير من الناس، وكفوا عن المسألة، ثم وسّع الله عليهم بالآية التي بعدها «٢».

وابن عباس- رضي الله عنهما- يجلّ محله من العلم عن مثل هذا، لأنه قول ساقط، من قبل أن ذلك (لا) «٣» يكفّهم عن المسألة، لأنه عزّ وجلّ قال «٤»: فَقَدِّمُوا «٥» بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً، فلو تصدّق أحدهم بتمرة واحدة أجزأه، فمن يشق عليه أن يتصدق بذلك؟.

وقال الزمخشري: كف الأغنياء شحا والفقراء لعسرتهم اه «٦».

وهذا غير صحيح، لأن ذلك إنّما كان على الأغنياء لقوله سبحانه فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وأيضا فكيف يخفف عن نبيّه، ثم يعود فيشق عليه؟.

وقال ابن زيد: ضيّق الله عليهم في المناجاة كي لا يناجي أهل الباطل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، (فيشق) «٧» ذلك على أهل الحق فقالوا: يا رسول الله (لا نستطيع) «٨» ذلك ولا


(ص ٤٤٩) والسيوطي في الدر المنثور (٨/ ٨٤) وابن سلامة في الناسخ والمنسوخ (ص ٢٩٩) ومكي في الإيضاح (ص ٤٢٦).
(١) وتمامها ... فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ... الآية.
(٢) انظر: الناسخ والمنسوخ لقتادة (ص ٤٨) وأبي عبيد (ص ٥٣١) وتفسير الطبري (٢٨/ ٢٠) ومعالم التنزيل للبغوي (٧/ ٤٤) والدر المنثور (٨/ ٨٣).
(٣) (لا) ساقطة من الأصل.
(٤) في د وظ: لأنه قال عزّ وجلّ.
(٥) في د وظ: «تقدموا ... ».
(٦) انظر الكشاف (٤/ ٧٦).
(٧) هكذا في الأصل: فيشق. وفي بقية النسخ (فشق) وهي الصواب.
(٨) غير واضحة في ت.

<<  <  ج: ص:  >  >>