للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والفيء: ما صولح عليه أهل الحرب من غير قتال، فحكمه أن يقسم على المذكورين في سورة (الحشر) ولا خمس، فالآية محكمة على هذا «١».

ومما يؤيد هذا قول بعض العلماء «٢»: إن آية (الحشر) نزلت في بني النضير حين خرجوا من ديارهم بغير حرب، وتركوا أموالهم، فجعلها الله عزّ وجلّ لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم خاصة، فلم يستأثر النبي صلّى الله عليه وسلّم بها، وفرّقها في المهاجرين، ولم يعط الأنصار منها شيئا إلّا رجلين:


(١) رواه وكيع عن سفيان الثوري. انظر الناسخ والمنسوخ للنحاس (ص ٢٧١).
قال النحاس- بعد ذكر هذه الرواية-: والقول إن الفيء خلاف الغنيمة، قول مستقيم صحيح، وذلك أن الفيء: مشتق من فاء يفيء إذا رجع، فأموال المحاربين حلال للمسلمين، فإذا امتنعوا ثم صالحوا رجع إلى المسلمين ما صولحوا عليه اه. المصدر نفسه وانظر الإيضاح لمكي (ص ٤٣٠).
ونفهم من هذا الكلام الذى ذكره السخاوي عن سفيان الثوري، وذكره من قبله النحاس ومكي كذلك عن سفيان ومالوا إليه، وكذلك ما سبق أن ذكرته عن ابن الجوزي، نفهم من هذا أنهم يختارون إحكام الآية وعدم القول بنسخها، وهذا هو الصحيح- إن شاء الله تعالى- وهو ما رجحه ابن العربي واستحسنه القرطبي. انظر أحكام القرآن (٤/ ١٧٣٢) وتفسير القرطبي (١٨/ ١٤) وهنا كلام نفيس لابن العربي أنقل منه ما يحصل به الغرض ويزيل ما قد يبقى من إشكال في معنى الآيات الثلاث- أعني آيتي الحشر وآية الأنفال-.
قال: واختلف الناس هل هي ثلاثة معان أو معنيان؟ ولا إشكال في أنها ثلاثة معان في ثلاث آيات.
أما الآية الأولى: فهي قوله هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ- وهي الآية الثانية من سورة (الحشر) - ثم قال: وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ يعني من أهل الكتاب، معطوفا عليه فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ يريد- كما بينا- فلا حق لكم فيه، ولذلك قال عمر: إنها كانت خالصة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم- يعني بني النضير وما كان مثلها- فهذه آية واحدة ومعنى متحد.
الآية الثانية: قوله تعالى ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى فهذا كلام مبتدأ غير الأول لمستحق غير الأول.
الآية الثالثة: آية الغنيمة، وهي آية الأنفال، ولا شك في أنه معنى آخر باستحقاق ثان لمستحق آخر، بيد أن الآية الأولى والثانية اشتركتا في أن كل واحدة منهما تضمنت شيئا أفاءه الله على رسوله، واقتضت الآية الأولى أنه حاصل بغير قتال، واقتضت آية الأنفال أنه حاصل بقتال، وعريت الآية الثالثة وهي قوله ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى عن ذكر حصوله بقتال أو بغير قتال فنشأ الخلاف من هاهنا، فمن طائفة قالت: هي ملحقة بالأولى وهو مال الصلح كله ونحوه، ومن طائفة قالت: هي ملحقة بالثانية، وهي آية الأنفال ... اه بتصرف يسير من أحكام القرآن (٤/ ١٧٧٢).
(٢) في د وظ: قول بعض أهل العلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>