للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- وقال تعالى: وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا [طه: ١١٥].

قال ابن الجوزي: (قوله تعالى: ولم نَجِدْ له عَزْماً العَزْمُ في اللغة: توطينُ النفس على الفعل. وفي المعنى أربعة أقوال.

أحدها: لم نجد له حفظاً، رواه العوفي عن ابن عباس، والمعنى: لم يحفظ ما أُمِر به.

والثاني: صبراً، قاله قتادة، ومقاتل، والمعنى: لم يصبر عمَّا نُهي عنه.

والثالث: حزماً، قاله ابن السائب. قال ابن الأنباري: وهذا لا يُخرج آدم من أُولي العزم. وإِنما لم يكن له عزم في الأكل فحسب.

والرابع: عزماً في العَوْد إِلى الذَّنْب) (١).

وقال الرازي: (قوله: وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً يحتمل ولم نجد له عزماً على القيام على المعصية فيكون إلى المدح أقرب، ويحتمل أن يكون المراد ولم نجد له عزماً على ترك المعصية أو لم نجد له عزماً على التحفظ والاحتراز عن الغفلة، أو لم نجد له عزماً على الاحتياط في كيفية الاجتهاد إذا قلنا: إنه عليه السلام إنما أخطأ بالاجتهاد) (٢).

ورحج ابن جرير الطبري أن تأويل وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً هو (لم نجد له عزم قلب، على الوفاء لله بعهده، ولا على حفظ ما عهد إليه) (٣).

وقال ابن عاشور: (واستعمل نفي وجدان العزم عند آدم في معنى عدم وجود العزم من صفته فيما عهد إليه تمثيلا لحال طلب حصوله عنده بحال الباحث على عزمه فلم يجده عنده بعد البحث) (٤).

الترغيب والحث على العزم والعزيمة من السنة النبوية:

- (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ (لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ. لِيَعْزِمْ فِي الدُّعَاءِ فَإِنَّ اللَّهَ صَانِعٌ مَا شَاءَ لاَ مُكْرِهَ لَهُ) (٥).

قال المباركفوري: (عزم المسألة الشدة في طلبها والحزم به من غير ضعف في الطلب ولا تعليق على مشيئة ونحوها) (٦).

وقال ابن حجر: (قوله فليعزم المسألة في رواية أحمد عن إسماعيل المذكور الدعاء ومعنى الأمر بالعزم الجد فيه وأن يجزم بوقوع مطلوبه ولا يعلق ذلك بمشيئة الله تعالى وإن كان مأمورا في جميع ما يريد فعله أن يعلقه بمشيئة الله تعالى وقيل معنى العزم أن يحسن الظن بالله في الإجابة ... وقال الداودي معنى قوله ليعزم المسألة أن يجتهد ويلح ولا يقل إن شئت كالمستثنى ولكن دعاء البائس الفقير) (٧).

قال بدر الدين العيني: (قوله فليعزم المسألة أي فليقطع بالسؤال ولا يعلق بالمشيئة إذ في التعليق صورة الاستغناء عن المطلوب منه والمطلوب) (٨).

قال السيوطي: (ليعزم المسألة أي يعري دعاءه وسؤاله من لفظ المشيئة) (٩).


(١) ((زاد المسير)) ابن الجوزي (٣/ ١٧٩).
(٢) ((مفاتيح الغيب)) الرازي (٢٢/ ١٠٦).
(٣) ((تفسير الطبري)) ابن جرير الطبري (١٨ - ٣٨٣ - ٣٨٥).
(٤) ((التحرير والتنوير)) ابن عاشور (١/ ٢٦٧٧).
(٥) رواه البخاري (٦٣٣٩) ومسلم (٢٦٧٩).
(٦) ((تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي)) المباركفوري (٩/ ٣٣٠).
(٧) ((فتح الباري شرح صحيح البخاري)) ابن حجر (١١/ ١٤٠).
(٨) ((عمدة القاري شرح صحيح البخاري)) بدر الدين العيني (٢٢/ ٢٩٩).
(٩) ((تنوير الحوالك شرح موطأ مالك)) السُّيوطي (١/ ٢٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>