للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الخامس: أن يقيل من يستقيله فإنه لا يستقيل إلا متندم مستضر بالبيع، ولا ينبغي أن يرضى لنفسه أن يكون سبب استضرار أخيه، وفي الخبر من أقال نادما صفقته أقال الله عثرته يوم القيامة (١).

السادس: أن يقصد في معاملته جماعة من الفقراء بالنسيئة وهو في الحال عازم على أن لا يطالبهم إن لم يظهر لهم ميسرة، وكان من السلف من يقول لفقير: خذ ما تريد فإن يسر لك فاقض وإلا فأنت في حل منه وسعة) (٢).

٦ - الإحسان إلى المسيء:

(ومن أجل أنواع الإحسان: الإحسان إلى من أساء إليك بقول أو فعل. قال تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فصلت: ٣٤، ٣٥]

ومن كانت طريقته الإحسان أحسن الله جزاءه: هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ [الرحمن: ٦٠]) (٣).

قال ابن القيم: (ومن أعظم أنواع الإحسان والبر أن يحسن إلى من أساء ويعفو عمن ظلم ويغفر لمن أذنب ويتوب على من تاب إليه) (٤).

وذكر الهروي أن من منازل إياك نعبد وإياك نستعين (الفتوة) وقال: (هي على ثلاث درجات، الدرجة الأولى ترك الخصومة، والتغافل عن الزلة، ونسيان الأذية. والدرجة الثانية أن تقرب من يقصيك، وتكرم من يؤذيك، وتعتذر إلى من يجني عليك، سماحة لا كظماً، ومودة لا مصابرة) (٥).

قال ابن القيم في ذلك: (هذه الدرجة أعلى مما قبلها وأصعب فإن الأولى: تتضمن ترك المقابلة والتغافل وهذه تتضمن الإحسان إلى من أساء إليك ومعاملته بضد ما عاملك به فيكون الإحسان والإساءة بينك وبينه خطتين فخطتك: الإحسان. وخطته: الإساءة.

وفي مثلها قال القائل:

إذا مرضنا أتيناكم نعودكم ... وتذنبون فنأتيكم ونعتذر

ومن أراد فهم هذه الدرجة كما ينبغي فلينظر إلى سيرة النبي صلى الله عليه وسلم مع الناس يجدها بعينها) (٦).

٧ - الإحسان في الكلام:

قال تعالى: وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [الإسراء: ٥٣]

قال ابن كثير: (يأمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأمر عباد الله المؤمنين، أن يقولوا في مخاطباتهم ومحاوراتهم الكلام الأحسن والكلمة الطيبة؛ فإنهم إذا لم يفعلوا ذلك، نزغ الشيطان بينهم، وأخرج الكلام إلى الفعال، ووقع الشر والمخاصمة والمقاتلة، فإن الشيطان عدو لآدم وذريته من حين امتنع من السجود لآدم، فعداوته ظاهرة بينة؛ ولهذا نهى أن يشير الرجل إلى أخيه المسلم بحديدة، فإن الشيطان ينزغ في يده، أي: فربما أصابه بها) (٧).

٨ - الإحسان في الجدال:

يقول الله تبارك وتعالى: وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل: ١٢٥]

قال الشوكاني: (أي: بالطريق التي هي أحسن طرق المجادلة. وإنما أمر سبحانه بالمجادلة الحسنة لكون الداعي محقاً وغرضه صحيحاً، وكان خصمه مبطلاً وغرضه فاسداً) (٨).

٩ - الإحسان إلى الحيوان:


(١) رواه ابن حبان (١١/ ٤٠٤) (٥٠٢٩)، والبزار (١٥/ ٣٧٤) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وضعفه الدارقطني في ((لسان الميزان)) في (٦/ ١٠٠). وقال ابن حجر في ((لسان الميزان)) (٣/ ١٥٩): [فيه] الحسين بن حميد الخزاز قال ابن عدي: هو متهم فيها. وقال الشوكاني في ((السيل الجرار)) (٣/ ١٣٩): صححه جماعة من الحفاظ.
(٢) ((موعظة المؤمنين)) لجمال الدين القاسمي (ص ١١٦).
(٣) ((بهجة قلوب الأبرار)) للسعدي (ص٢٠٦).
(٤) ((مفتاح دار السعادة)) لابن القيم (٢/ ٢٥٩).
(٥) ((مدارج السالكين)) لابن القيم (٣/ ١٣٩).
(٦) ((مدارج السالكين)) لابن القيم (٣/ ١٣٩).
(٧) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (٥/ ٨٧).
(٨) ((فتح القدير)) للشوكاني (٣/ ٢٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>