للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال لعمر بن الخطاب: يا أميرَ المؤمنين، أشياء أسألك عنها. قال: سَلْ عما شئتَ. قال: يا أميرَ المؤمنين، مِمَّ يذكرُ الرجلُ؟ ومِمَّ ينسى؟ وممَّ تصدقُ الرؤيا؟ ومِمَّ تكذبُ؟

فقال له عمر: إنَّ على القلب طَخَاءةً كطخاءة القمر (١)، فإذا تغشَّت القلب نسي ابنُ آدم، فإذا انجلتْ ذكَر ما كان نسِي. وأمَّا مِمَّ تصدقُ الرؤيا، ومِمَّ تكذب؛ فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يقول: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا}. فمن دخل منها في ملكوت السماء فهي التي [١٩ ب] تصدقُ، وما كان منها دون ملكوتِ السماء فهي التي تكذب (٢).

وروى ابنُ لهيعة عن عثمان بن نُعيم الرُّعيني، عن أبي عثمان الأصبحي، عن أبي الدرداء قال: إذا نام الإنسان (٣) عُرِجَ بروحه حتى يُؤتى بها العرش، فإن كان طاهرًا أُذِنَ لها بالسجود، وإن كان جنبًا لم يُؤذنْ لها بالسجود (٤).

وروى جعفر بن عون عن إبراهيم الهجَري، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود أنه قال: إنَّ الأرواحَ جنودٌ مجندةٌ تتلاقى، فتَشامُّ كما تشامّ الخيلُ، فما تعارفَ منا ائتلفَ، وما تناكرَ منها اختلفَ (٥).

ولم يزل الناسُ قديمًا وحديثًا تعرفُ هذا وتشاهِدهُ. قال جميل بن مَعمَر


(١) الطخاءة: الغشاء والظلمة والغيم.
(٢) أورده الحكيم في نوادر الأصول (١/ ١٦٩) عن ابن عباس.
(٣) (ن): «الرجل».
(٤) أخرجه ابن المبارك في الزهد (١٢٤٥). وانظر: نوادر الأصول للحكيم (٣/ ٢٢٠).
(٥) أخرجه البيهقي في الشعب (٩٠٣٨).