للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البعث كنتُ أولَ من يرفع رأسَه، فإذا موسى آخذٌ بقائمةٍ من قوائم العرش، فلا أدري أفاقَ قبلي، أم جُوزي بصعقةِ الطور (١).

قلت: وحملُ الحديث على هذا لا [٢٣ أ] يصحُّ: لأنه عليه السلام تردَّدَ هل أفاق موسى قبلَه أم لم يَصْعَق، بل جُوزي بصعقة الطور. فالمعنى: لا أدري أصَعِق أم لم يَصْعَق. وقد قال في الحديث: «فأكون أولَ من يُفيق»، وهذا يدلُّ على أنه - صلى الله عليه وسلم - يَصعق فيمن يَصعق، وأن التردَّدَ حصل في موسى: هل صَعِق وأفاق قبله من صعقته، أم لم يَصعق؟ ولو كان المرادُ به الصعقةَ الأولى ــ وهي صعقةُ موت ــ لكان - صلى الله عليه وسلم - قد جزم بموته، وتردّد: هل مات موسى، أو (٢) لم يمتْ. وهذا باطلٌ لوجوه كثيرة. فعُلم أنها صعقةُ فزَع، لا صعقة موت. وحينئذٍ فلا تدلُّ الآية على أنّ الأرواحَ كلَّها تموت عند النفخةِ الأولى. نعم، تدلُّ على موت الخلائق عند النفخة الأولى، وكلُّ من لم يذق الموتَ قبلها فإنه يذوقه حينئذ. وأما من ذاقَ الموتَ أو من لم يُكتب عليه الموتُ، فلا تدل الآية على أنه يموت موتةً ثانية. والله أعلم (٣).

فإن قيل: فكيف تصنعون بقوله في الحديث: «إن الناسَ يُصعقون يوم القيامة، فأكون أولَ من تنشقُّ عنه الأرضُ، فأجدُ موسى باطشًا بقائمة العرش»؟ (٤).

قيل: لا ريب أن هذا اللفظَ قد ورد هكذا، ومنه نشأ الإشكالُ، ولكنه


(١) التذكرة (١/ ٤٥٧ ــ ٤٥٨).
(٢) (ب، ط، ن): «أم».
(٣) لم يرد «والله أعلم» في (ن).
(٤) البخاري (٢٤١٢).