للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرجل؟ فيقول: أيُّ رجل (١)؟ فيقولان: محمد (٢) - صلى الله عليه وسلم -. فيقول: قال الناسُ إنَّه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -. فيضرِبانه ضربةً، فيصير رمادًا» (٣).

هذا حديث ثابتٌ مشهور مستفيض، صحَّحه جماعةٌ من الحفاظ، ولا نعلم أحدًا من أئمة الحديث طعن فيه. بل رووه في كتبهم، وتلقَّوه بالقبول، وجعلوه أصلاً من أصول الدين في عذاب القبر ونعيمه، ومساءلة (٤) منكر ونكير، وقبض الأرواح وصعودها إلى بين يدي الله ثم رجوعها إلى القبر.

وقولُ أبي محمد (٥): «لم يروه غيرُ زاذان»، فوهَمٌ منه، بل رواه عن


(١) كذا في (أ، غ). وفي (ز): «أي الرجال». وفي غيرها: «أي الرجل».
(٢) (ب، ط، ن، ج): «محمد رسول الله».
(٣) وهذا إسناد لا بأس به في المتابعات، خصيف هو ابن عبد الرحمن الجزري تُكلم فيه لسوء حفظه، وبقية رجاله ثقات. (قالمي).
(٤) رسمها في النسخ: «مسايلة».
(٥) هذه الفقرة من هنا إلى قول ابن عدي في آخرها من كلام شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (٥/ ٤٤٦ ــ ٤٤٧). نقلها المصنف مع التصرف في أولها. ولفظ الشيخ: «وزعم ابن حزم أنّ (العَود) لم يروه إلا زاذان عن البراء، وضعَّفه. وليس الأمر كما قاله بل رواه غير زاذان عن البراء ... ».
والظاهر أن هذا وهمٌ من الشيخ، فإنَّ ما زعمه ابن حزم هو أن (العود) لم يروه إلا المنهال بن عمرو، وضعَّفه. أما زاذان فلم يقل فيه ابن حزم شيئًا لا في المحلى ولا في الملل والنحل. والدليل على ذلك أن الشيخ لم يُشر بعد ذلك إلى زعم ابن حزم بتفرد المنهال بالعود، وإنما ردَّ على تضعيفه إياه.
أما ابن القيم، فغيَّر عبارة الشيخ، فنسب إلى ابن حزم أنه قال: «لم يروه غير زاذان». ومفاده أنه لم يرو هذا الحديث عن البراء غير زاذان. وهذا واضح من الردّ عليه. وهو وهمٌ آخر أدّى إليه الاعتماد على كلام الشيخ ثم التصرف فيه، مع أن المصنف قد أورد من قبل كلام ابن حزم من كتابه الملل والنحل، وليس فيه شيء عن زاذان. وسيردّ في الفقرة الآتية على زعم ابن حزم بتفرد المنهال بالعود مع ضعفه، ثم يذكر فيما بعد أن غير ابن حزم ــ يعني ابن حبان ــ أعلّ الحديث بأن زاذان لم يسمعه من البراء. وقد أعلَّه ابن حبان أيضًا بالانقطاع بين الأعمش والمنهال. فإن صح كلام المصنف في هذه الفقرة من تفرُّد زاذان بالحديث اجتمعت فيه أربع علل؛ مع أنه لما تكلم عليه في تهذيب السنن (١٣/ ٦٣ ــ ٦٤) قال: «ومجموع ما ذكراه ــ يعني ابن حزم وابن حبان ــ ثلاث: إحداها ضعف المنهال. والثانية أن الأعمش لم يسمعه من المنهال، والثالثة أن زاذان لم يسمعه من البراء».

وهذا هو الصواب، والأُولى من هذه فقط لابن حزم.