للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مجاهد، عن ابن عباس أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى على قبرين فقال: «إنهما لَيُعذَّبان في غير كبير (١). أمَّا أحدهما فكان يأكل لحوم الناس. وأما الآخر فكان صاحب نميمة. ثم دعا بجريدة، فشَقَّها نصفَين، فوضع نصفَها على هذا القبر، ونصفها على هذا القبر، وقال: عسى أن يخفَّف عنهما ما دامتا رَطبتين».

وقد اختلف الناس في هذين: هل كانا كافرين أو مؤمنين؟

فقيل: كانا كافرين. وقوله: «وما يعذّبان في كبير» (٢) يعني: بالإضافة إلى الكفر والشِّرك. قالوا: ويدلُّ عليه [٣٩ ب] أنَّ العذاب لم يرتفع عنهما، وإنما خُفّف (٣). وأيضًا فإنه (٤) خُفِّف مدةَ رُطوبة الجريدة فقط. وأيضًا فإنّهما لو كانا مؤمنين لشَفَع فيهما ودعا لهما النبي - صلى الله عليه وسلم -، فرُفع عنهما العذابُ بشفاعته. وأيضًا ففي بعض طرق الحديث: أنهما كانا كافرين. وهذا التعذيبُ زيادةٌ على تعذيبهما بكفرهما وخطاياهما، وهو دليل على أنَّ الكافر يعذَّب بكفره وذنوبه جميعًا. وهذا اختيار أبي الحَكَم بن بَرَّجان (٥).


(١) (ب، ط، ج، ز): «وما يعذبان في كبير» موضع «في غير كبير». والمثبت من غيرها موافق لما في المسند. ولعل بعض الناسخين نظر إلى اللفظ الذي سيأتي في الكلام على الحديث، فأثبته هنا ليزول الخلاف بين المتن والشرح.
(٢) لم يسبق هذا اللفظ في كلام المصنف، ولكنه ينقل من تذكرة القرطبي الذي أورد أحاديث مختلفة وتكلم عليها. وهذا لفظ الصحيحين.
(٣) (ط، ز): «يخفف». (ن): «خفف عنهما».
(٤) (ط): «إنه».
(٥) في كتابه: «الإرشاد الهادي إلى التوفيق والسداد». انظر: التذكرة للقرطبي (٣٩٦). وبه جزم أبو موسى المديني، كما في فتح الباري (١/ ٣٢١).