للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَرَوْن منازلهم ومقاعدهم من الجنّة، ويكون مستقرُّهم في تلك القناديل المعلَّقة بالعرش، فإنَّ الدخول التامّ الكامل إنما يكون يوم القيامة، ودخولُ الأرواح الجنة في البرزخ أمرٌ دون ذلك.

ونظير هذا: أهلُ الشقاء تُعرَض أرواحُهم على النار غدوًّا وعشيًّا، فإذا كان يومُ القيامة دخلوا منازلهم ومقاعدهم التي كانوا يُعرضون عليها في البرزخ. فتنعُّمُ الأرواحِ بالجنة في البرزخ شيء، وتنعُّمُها مع الأبدان بها يوم القيامة شيء آخر. فغذاء الروح من الجنة في البرزخ دون غذائها (١) مع بدنها يوم البعث. ولهذا قال: «تعلُق في شجر الجنة»، أي: تأكل العلقة، وأما تمامُ الأكل والشرب واللبس والتمتُّع فإنما (٢) يكون إذا رُدَّت (٣) إلى أجسادها يوم القيامة. فظهر (٤) أنه لا يعارِض هذا القولَ من السنّة شيءٌ، وإنما تُعاضدِهُ السنَّةُ وتوافقه.

وأما قول من قال: إنَّ حديث كعب في الشهداء دون غيرهم، فتخصيصٌ ليس في اللفظ ما يدلُّ عليه. وهو حَمْلُ اللفظ العامِّ على أقلِّ مسمَّياته، فإنّ الشهداء بالنسبة إلى عموم المؤمنين قليلٌ جدًّا، والنبي - صلى الله عليه وسلم - علَّق هذا الجزاء بوصفِ الإيمان، فهو المقتضي له، لم يعلِّقه بوصف الشهادة.

ألا ترى أنَّ الحكم الذي اختَصَّ [٦٣ أ] بالشهداء عُلِّق بوصف الشهادة، كقوله في حديث المقدام بن معديكرب: «للشهيد عند الله ستُّ خصال:


(١) (ق): «عذابها».
(٢) (ب، ط، ج): «إنما».
(٣) زاد في (ق): «الأرواح».
(٤) (ق): «وظهر».