للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بذلك على الوِلدان والحورِ العِين والخلقِ الذين يُنشئهم للجنَّة بغير أعمال، والقومِ الذين يُدخلهم الجنة بلا خيرٍ قدَّموه ولا عملٍ عملوه.

فقوله تعالى: {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [النجم: ٣٨]، وقوله: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: ٣٩] آيتان محكَمتان، يقتضيهما عدلُ الربِّ تعالى، وحكمتُه (١)، وكمالُه المقدَّس؛ والعقل والفطرة شاهدان بهما. فالأولى تقتضي (٢) أنَّه لا يعاقَب بجرم غيره، والثانية تقتضي أنَّه لا يفلح إلا بعمله وسعيه. فالأولى تؤمِّن العبد من أخْذِه بجريرة غيره، كما يفعله ملوك الدنيا. والثانية تقطَع طمعَه من نجاته (٣) بعمل آبائه وسلفه ومشايخه، كما عليه أصحاب الطمع الكاذب. فتأمَّلْ حسنَ اجتماع هاتين الآيتين!

ونظيره قوله تعالى: {مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: ١٥]. فحكَم سبحانه لعباده بأربعة أحكامٍ هي غايةُ العدلِ والحكمة:

أحدها: أنَّ هُدى العبد بالإيمان والعمل الصالح لنفسه، لا لغيره.

الثاني: أنَّ ضلالَه بفوات ذلك وتخلُّفَه عنه على نفسه، لا على غيره.

الثالث: أنَّ أحدًا لا يؤاخَذُ بجريرة غيره.

الرابع: أنَّه لا يعذِّب أحدًا إلا بعد إقامة الحُجَّة عليه برسله.


(١) «وحكمته» ساقط من (ب، ط).
(٢) (ق، ب، ط): «فالأول يقتضي»، خطأ، فإن المقصود: الآية، لا العقل.
(٣) (ق): «نَجائه». (أ، غ): «لَحاقه».