للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمَّا أنَّ العرب تعرف في لغاتها (١): لي درهم، بمعنى: عليَّ درهم، فكلَّا!

وقالت طائفة: في الكلام حذف، تقديره: وأن ليس للإنسان إلا ما سَعَى أو سُعِي له (٢). وهذا أيضًا من النمط الأول، فإنَّه حذفُ ما لا يدلّ السياقُ عليه بوجه، وقولٌ على الله وكتابه بلا علم.

وقالت طائفة أخرى (٣): الآية منسوخة بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَأتْبَعْناهُمْ ذُرِّيَّاتِهم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهم} (٤) [الطور: ٢١]. وهذا منقول عن ابن عباس (٥). وهذا ضعيف أيضًا. ولا يُرفع (٦) حكمُ الآية بمجرَّد قول ابن عباس ولا غيرِه: إنهَّا منسوخة.

والجمعُ بين الآيتين غيرُ متعذِّر ولا ممتنِع، فإنَّ الأبناء تبِعوا الآباء في الآخرة، كما [٨١ أ] كانوا (٧) تَبَعًا لهم في الدنيا. وهذه التبعية هي من كرامة الآباء وثوابهم الذي نالوه بسعيهم. وأمَّا كون الأبناء لحقوا بهم في الدرجة بلا سعيٍ منهم، فهذا ليس هو لهم، وإنما هو للآباء، أقرَّ الله أعينَهم بإلحاق ذرِّيتهم بهم في الجنة، وتفضَّل على الأبناء بشيء لم يكن لهم، كما تفضَّل


(١) (ب، ط): «يُعرف في لغتها».
(٢) لم أقف على قائله.
(٣) (ط): «وقالت أخرى».
(٤) كذا وردت الآية في جميع النسخ على قراءة أبي عمرو، وكانت هي السائدة في بلاد الشام في عهد المؤلف.
(٥) رواه عنه علي بن أبي طلحة. وأخرجه الطبري في تفسيره (٢٢/ ٨٠) وأبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ (٢٣٠).
(٦) الأصل: «ولا نرفع».
(٧) (ب): «الأبناء في الآخرة كما قالوا» سقط وتحريف.