للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يرتدَّ ويموت، فيحبَطَ عملُه كلُّه، ومن جُملته ثوابُ ما أهدى إلى الميِّت.

قلت: هذا لا يلزمهم، ومواردُ النص والإجماع تُبطِله وترُدُّه، فإنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أَذِن في الحجِّ والصوم عن الميِّت. وأجمع الناس على براءة ذمَّته من الدَّين، إذا قضاه عنه الحيُّ، مع وجود (١) ما ذكر من الاحتمال.

والجوابُ أن يقال: ما أهداه من أعمال البرِّ إلى الميت فقد صار ملكًا له، فلا يبطلُ برِدَّة فاعله بعد خروجه عن ملكه، كتصرُّفاته التي تصرَّفها قبل الرِّدَّة، من عِتْق وكفَّارة (٢)، بل لو حجَّ عن معضوبٍ، ثم ارتدَّ بعد ذلك لم يلزم المعضوبَ أن يُقيم غيره يحج عنه، فإنه لا يُؤمن في الثاني والثالث ذلك.

على أنَّ الفرقَ بين الحي والميّت [٨٤ أ] أنّ الحيَّ ليس بمحتاج (٣) كحاجة الميت، إذ يمكنه أن يباشر ذلك العمل أو نظيره، فعليه (٤) اكتسابُ الثواب بنفسه وسَعْيه، بخلاف الميت.

وأيضًا فإنه يفضي إلى اتِّكال بعض الأحياء على بعض، وهذه مفسدة كبيرة، فإنَّ أربابَ الأموال إذا فهموا ذلك واستشعروه استأجروا من يفعل ذلك عنهم، فتصير الطاعاتُ معاوضاتٍ، وذلك يفضي إلى إسقاط العباداتِ والنوافل، ويصير ما يُتقرَّب به إلى الله يُتقرَّب (٥) به إلى الآدميين، فيخرج عن


(١) «وجود» ساقط من (ن).
(٢) (ق): «إجارة».
(٣) (ب، ط، ج): «يحتاج».
(٤) (ب، ط، ج): «فيمكنه».
(٥) (ب، ط، ج): «متقرَّبًا».