للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غناه مشاركٌ، كما لا يشاركه في قِدَمه وربوبيّته وإلهيته وملكه التامِّ وكماله المقدَّس مشاركٌ. فشواهدُ الخلق والحدوث على الأرواح كشواهده على الأبدان. قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر: ١٥]. وهذا الخطابُ بالفقر إليه للأرواح والأبدان، ليس هو للأبدان فقط. وهذا الغِنى التامُّ لله وحده لا يَشرَكُه فيه غيره (١).

وقد أرشد الله سبحانه عبادَه إلى أوضح دليل على ذلك بقوله: {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (٨٤) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (٨٥) فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (٨٦) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الواقعة: ٨٣ ــ ٨٧]. أي: فلولا، إن كنتم غيرَ مملوكين ومقهورين ومربوبين ومُجازَين بأعمالكم، ترُدُّون الأرواح إلى الأبدان إذا وصلتْ إلى هذا الموضعِ! أوَلا تعلمون بذلك أنها مدينة مملوكة مربوبة محاسبة مجزيَّة بعملها.

وكلُّ ما [٩٦ ب] تقدَّم ذكرُه في هذا الجواب من أحكام الروح وشأنها ومستقرِّها بعد الموت، فهو دليلٌ على أنها محدَثة (٢) مخلوقة مربوبة مدبَّرة، ليست بقديمة. وهذا الأمر أوضحُ من أن تُساقَ الأدلةُ عليه لولا ضُلَّالٌ (٣) من المتصوفة وأهل البدع، ومن قصَر فهمُه في كتاب الله وسنة رسوله، فأتِيَ من سوء الفهم (٤) لا من النصِّ؛ تكلَّموا في أنفسهم وأرواحهم بما دلَّ على أنهم


(١) انظر الفصل الأول من «طريق الهجرتين» للمؤلف (١٢).
(٢) «محدثة» من (ب، ج، ن).
(٣) كذا في الأصل مضبوطًا.
(٤) (ن): «فمن سوء الفهم أتي». وقد تصحف «فأتي» إلى «فإن» في (ط). وفيها أيضًا: «من سوء النص».