للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكيف تكون قديمةً مستغنيةً عن خالق مُحدِث مُبدِع لها، وشواهدُ الفقر والحاجة والضرورة أعدلُ شواهد على أنها مخلوقة مربوبة مصنوعة، وأن وجود ذواتها (١) وصفاتها وأفعالها من ربِّها وفاطرها، ليس لها من نفسها إلا العدَم؟ فهي (٢) لا تملِك لنفسها [٩٦ أ] ضرًّا ولا نفعًا ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا. لا تستطيع (٣) أن تأخذ من الخير إلا ما أعطاها، ولا تتّقي من الشر إلا ما وقَاها. ولا تهتدي إلى شيء من مصالح دنياها وأخراها إلا بهداه، ولا تصلح إلا بتوفيقه لها وإصلاحه إيَّاها. ولا تعلم إلا ما علَّمها، ولا تتعدَّى ما ألهمها. فهو الذي خلقها فسوَّاها، وألهمها فجورها وتقواها. فأخبر سبحانه أنه خالقها ومبدعها وخالق أفعالها من الفجور والتقوى، خلافًا لمن يقول: إنها ليست مخلوقة، ولمن يقول: إنها (٤) وإن كانت مخلوقة، فليس خالقًا لأفعالها، بل هي التي تخلق أفعالها، وهما قولان لأهل الضلال والغيِّ.

ومعلومٌ أنها لو كانت قديمة غيرَ مخلوقة لكانت مستغنيةً بنفسها في وجودها وصفاتها وكمالها. وهذا من أبطَلِ الباطل، فإنَّ فقرَها إليه سبحانه في وجودها وكمالها وصلاحِها هو من لوازم ذاتها، ليس معلَّلًا بعلَّة، فإنه أمرٌ ذاتيٌّ لها، كما أن غنى ربِّها وفاطرها ومبدعها من لوازم ذاته، ليس معلَّلاً بعلَّة (٥). فهو الغني بالذات، وهي الفقيرة إليه بالذات. فلا يشاركه سبحانه في


(١) (ق): «رفاتها»، تصحيف.
(٢) (ب، ج): «وهي».
(٣) (ط): «ولا تستطيع».
(٤) (ط): «فيها».
(٥) (ق): «يعلمه»، تحريف.