للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأصرحُ منه قوله (١): {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} [النساء: ١]. وهذا صريح في أنَّ خلْقَ جُملةِ النوعِ الإنساني بعد خلقِ [١٠٤ أ] أصله.

فإن قيل: هذا (٢) لا ينفي تقدُّمَ خلق الأرواح على أجسادها، وإن خُلِقت بعد خلق أبي البشر، كما دلَّت عليه الآثار المتقدمة.

قيل: سنبيِّن ــ إن شاء الله ــ أنَّ الآثار المذكورة لا تدلُّ على سَبْق الأرواحِ الأجسادَ (٣) سَبْقًا مستقرًّا ثابتًا. وغايتُها أن تدلَّ بعد صحتها وثبوتها على أنَّ بارئها وفاطرها سبحانه صوَّر النَّسَمَ، وقدَّر خلْقَها وآجالها وأعمالها، واستخرج تلك الصورَ من مادتها، ثم أعادها إليها، وقدَّر خروج (٤) كلِّ فرد من أفرادها في وقته المقدَّر له. ولا تدل على أنها خُلقت خلقًا مستقرًّا، ثم استمرَّت موجودةً (٥) حيَّةً عالمةً (٦) ناطقةً، كلُّها في موضع واحد. ثم تُرسَل منها إلى الأبدان جملةً بعد جملة، كما قاله أبو محمد بن حزم، فهل تحتمل (٧) الآثارُ ما لا طاقة لها به؟ نعم الربُّ سبحانه يخلق منها جملةً بعدَ جملةٍ على الوجه الذي سبق به التقدير أولًا، فيجيءُ الخلق الخارجيُّ مطابقًا


(١) لم يرد «قوله» في (أ، غ).
(٢) ما عدا (أ، غ): «فهذا».
(٣) (ب، ج، ن): «للأجساد».
(٤) (أ، ق، غ): «كل خروج»، ولعله سهو.
(٥) (ق، ط، ن): «بوجوده».
(٦) «حية» ساقط من (ب، ج). وسقط من (ن) معه «عالمة».
(٧) (ب، ج، ن): «تحمل».