للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّاتِهم} (١) [الأعراف: ١٧٢]، أي: أخرجهم وأنشأهم بعد أن كانوا نُطَفًا في أصلاب الآباء إلى الدنيا على ترتيبهم في الوجود، وأشهدَهم على أنفسهم أنه ربُّهم، بما أظهرَ لهم من آياته وبراهينه التي تضطرُّهم إلى أن يعلَموا أنه خالقُهم؛ فليس من أحد إلا وفيه من صنعة ربِّه ما يَشهدُ (٢) على أنه بارئُه ونافذُ الحكم فيه. فلمَّا عرفوا ذلك ودعاهم كلُّ ما يرون ويشاهدون إلى التصديق به كانوا بمنزلة الشاهدين والمشهَدين (٣) على أنفسهم بصحته، كما قال في غير هذا الموضع: {شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ} [التوبة: ١٧] يريد: هم بمنزلة الشاهدين، وإن لم يقولوا: نحن كفَرة. وكما تقول: شهدَتْ جوارحي بقولك، تريد (٤): قد عرفتُه، فكأنَّ جوارحي لو استُشْهدتْ وفي وُسعها أن تنطِق لشهدتْ. ومن هذا الباب أيضًا {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [آل عمران: ١٨] يريد: أعلَمَ وبيَّن، فأشبه إعلامُه وتبيينُه ذلك شهادةَ من شَهِد عند الحكام وغيرهم (٥). هذا كلام ابن الأنباري (٦).


(١) كذا وردت الآية في النسخ: {ذرياتهم} على قراءة أبي عمرو ونافع وابن عامر ما عدا (ق)، ففيها بالإفراد على قراءة الباقين من السبعة.
(٢) (ب): «ينبهه». ولعله تصحيف.
(٣) في طرّة الأصل أن في نسخة: «والمستشهدين».
(٤) زاد بعده في (ط): «به».
(٥) قوله: «ومن هذا الباب» إلى هنا مضطرب في (ق).
(٦) نقله الواحدي في البسيط (٩/ ٤٥٦) وهو مصدر المصنف .. ولفظ المصنف قد يُفهم منه أن هذا قول ابن الأنباري. ولكن الواحدي لم يصرِّح بهذا. وقال ابن الجوزي في زاد المسير (٣/ ٢٨٦) أن ابن الأنباري حكى نحو هذا القول.