للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: فيكون تأويل قوله: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ} [الأعراف: ١٧٢]: وإذ يأخذ ربك. وكذلك قولُه: {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الأعراف: ١٧٢]، أي: ويُشهِدهم بما ركَّبه (١) فيهم من العقل الذي يكون به (٢) الفهم، ويجب به الثواب والعقاب. وكلُّ من وُلد وبلغ الحِنْثَ، وعَقَل الضَّر والنفع، وفهم الوعد والوعيد، والثواب والعقاب= صار (٣) كأن الله تعالى أخذ عليه الميثاق في التوحيد بما ركَّب فيه من العقل، وأراه من الآيات والدليل على حدوثه، وأنه لا يجوز أن يكون قد خَلَق نفسه. وإذا لم يجز ذلك، فلابدَّ له من خالقٍ هو غيرُه، ليس كمثله.

وليس من مخلوق يبلُغ (٤) هذا المبلغ، ولم يقدَح فيه مانع من فهم، إلا إذا حَزَبه أمرٌ يفزع إلى الله عزَّ وجلَّ، حتى (٥) يرفع رأسه إلى السماء، ويشير إليها بإصبَعه، علمًا منه بأنَّ خالقه تعالى فوقه. وإذا كان العقل الذي منه الفهم والإفهام مؤدِّيًا (٦) إلى معرفة ما ذكرنا ودالًّا عليه، فكلُّ من بلغ هذا المبلغ فقد أخَذ عليه العهد والميثاق، إذ جعل فيه السببَ والآلة اللذَين بهما يؤخذ العهد والميثاق (٧). وجائز أن يقال له: قد أقرَّ، وأذعَنَ، وأسلَمَ؛ كما قال الله


(١) (ب، ط، ن، ج): «ركب».
(٢) (ط): «منه».
(٣) (ط، ن): «صائر».
(٤) (ب، ن، ج): «بلغ».
(٥) (أ، ق، غ، ط): «حين».
(٦) (ن): «مؤدِّيه».
(٧) إلى هنا نقله الواحدي في البسيط (٩/ ٤٥٧).