للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله (١) سبحانه إنما حكَمَ عليه بالكفر بعد خَلقِ بدنِ آدم وروحِه، ولم يكن قبل ذلك كافرًا (٢). فكيف تكون الأرواح قبله كافرة ومؤمنة، وهو لم يكن كافرًا إذ ذاك؟ وهل حصل الكفر للأرواح إلا بتزيينه وإغوائه؟ فالأرواح الكافرة إنما حدثت بعد كفره، إلا أن يقال: كانت كلُّها مؤمنةً ثم ارتدَّت بسببه. والذي احتجُّوا به على تقدُّم (٣) خلق الأرواح يخالف ذلك.

وفي حديث أبي هريرة في تخليق العالم: الإخبار عن خَلْقِ أجناس العالم، وتأخُّر خلق آدم إلى يوم الجمعة، ولو كانت الأرواح مخلوقةً قبل الأجساد لكانت من جملة العالم المخلوق في ستة أيام. فلمَّا لم يخبر عن خلقها في هذه الأيام عُلِم أنَّ خلقها تابعٌ لخلق الذرية، وأنَّ خلق آدم وحده هو الذي وقع في تلك الأيام الستة. وأما خلق ذريته، فعلى الوجه المشاهَد المعايَن.

ولو كان للروح وجودٌ قبل البدن، وهي حية عالمة ناطقة، لكانت ذاكرةً لذلك في هذا العالم شاعرةً به، ولو بوجه ما. ومن الممتنِع أن تكونَ حيةً عالمةً ناطقةً عارفةً بربِّها، وهي بين ملأ من الأرواح، ثم تنتقلَ إلى هذا البدن ولا تشعرَ بحالها قبل ذلك بوجه ما. وإذا كانت بعد المفارقة تشعر بحالها وهي في البدن على التفصيل، وتعلم ما كانت (٤) عليه هاهنا ــ مع أنها اكتسبت بالبدن أمورًا عاقتها عن كثير من كمالها (٥) ــ فلَأن تشعرَ بحالها


(١) (ن): «فالله».
(٢) (أ، ق): «كافر».
(٣) (أ، ق): «تقديم».
(٤) «بعد ... كانت» ساقط من الأصل لانتقال النظر.
(٥) (ب، ج): «حالها».