للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[١١٤ أ] الأول، وهي غير مَعُوقة هناك (١)، بطريق الأولى. إلا أن يقال: تعلُّقُها بالبدن واشتغالُها بتدبيره مَنَعها من شعورها بحالها الأول، فنقول: هَبْ أنه منعها من شعورها به على التفصيل والكمال، فهل يمنعُها عن أدنى شعورٍ بوجهٍ ما مما (٢) كانت عليه قبل تعلُّقها بالبدن؟ ومعلوم أنَّ تعلقَها بالبدن لم يمنعها عن الشعور بأول أحوالها وهي في البدن، فكيف يمنعها من الشعور بما كان قبل ذلك!

وأيضًا فإنها لو كانت موجودةً قبل البدن لكانت عالمة حية (٣) ناطقة عاقلة، فلمَّا تعلَّقتْ بالبدن سُلِبتْ ذلك كلَّه، ثم حدث لها الشعور والعلم والعقل شيئًا فشيئًا. وهذا لو كان لكان من أعجَب الأمور أن تكون الروحُ كاملةً عاقلةً ثم تعود ناقصةً ضعيفةً جاهلةً، ثم تعود بعد ذلك إلى عقلها وقوتها. فأين في العقل والنقل والفطرة ما يدلُّ على هذا؟ وقد قال تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: ٧٨].

فهذه الحال التي أُخْرِجنا عليها هي حالنا الأصلية، والعلم والعقل والمعرفة والقوة طارئ (٤) علينا حادث فينا بعد أن لم يكنْ. ولم نكن نعلمُ قبل ذلك شيئًا البتَّة، إذ لم يكن لنا وجودٌ نعلم ونعقل به.


(١) في الأصل بعده: «ولا»، وكذا في (ق). وفي (ن، غ): «أولا» وضبط في (ن) بتنوين اللام.
(٢) (ب، ج): «بما».
(٣) (ب، ج): «حية عالمة».
(٤) رسمها في الأصل وغيره: «طارٍ».