للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأيضًا فلو كانت مخلوقةً قبل الأجساد، وهي على ما هي (١) عليه الآن من طيبٍ وخبث، وكفر وإيمان، وخير وشر لكان ذلك ثابتًا لها قبل الأعمال. وهي إنما اكتسبت هذه الصفات والهيئات من أعمالها التي سَعَتْ في طلبها واستعانت عليها بالبدن، فلم تكن تَتَّصِف (٢) بتلك الهيئات والصفات قبل قيامها بالأبدان التي بها عَمِلت تلك الأعمالَ.

وإن كان قُدِّر لها قبل إيجادها ذلك، ثم [١١٤ ب] خرجت إلى هذه الدار على ما قدر لها، فنحن لا ننكر الكتاب والقَدَر السابقَ لها من الله. ولو دلَّ دليلٌ على أنها خُلِقت جملةً، ثم أودعت في مكان حيةً عالمةً ناطقةً، ثم كلَّ وقت (٣) تبرزُ إلى أبدانها شيئًا فشيئًا، لكُنَّا أولَ قائل به؛ فالله سبحانه على كل شيء قدير، ولكن لا نخبرُ عنه خلقًا وأمرًا إلا بما أخبر به عن نفسه على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -. ومعلوم أنَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يخبر عنه بذلك، وإنما أخبر بما في الحديث الصحيح: «إنَّ خلقَ ابن آدم يُجمَع في بطن أمه أربعين يومًا، ثم يكون علقةً مثلَ ذلك، ثم يكون مضغةً مثل ذلك، ثم يُرسَل إليه الملكُ، فينفخُ فيه الروح» (٤).

فالملَكُ وحده يُرسَل إليه، فينفُخ فيه، فإذا نفَخَ فيه كان ذلك سببَ حدوث الروح فيه. ولم يقل: يرسَل الملكُ إليه (٥) بالروح، فيُدْخِلُها في


(١) لم ترد في الأصل.
(٢) (ق، ن): «لتتصف».
(٣) (ق): «في كل وقت».
(٤) أخرجه البخاري (٣٢٠٨) ومسلم (٢٦٤٣) من حديث ابن مسعود.
(٥) (ب، ج، ن): «إليه الملك».