للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

علم الإنسان بنفسه وصفاتها أظهرُ من كل معلوم؛ لأن (١) علمَه بما عداه تابعٌ لعلمه بنفسه. ومعلوم قطعًا أن ذلك باطل، فإن جماهير أهل الأرض يعلمون أن إثبات هذا الموجود مُحالٌ في العقول شاهدًا وغائبًا، فمن قال ذلك في نفسه وربِّه فلا نفسَه عَرَف، ولا ربَّه عَرَف.

الوجه الثاني عشر بعد المائة: أن هذا البدن المشاهَد محلٌّ لجميع صفات النفس وإدراكاتها الكلِّية والجزئية، ومحلٌّ للقدرة (٢) على الحركات الإرادية، فوجب أن يكون الحاملُ لتلك الإدراكات والصفات هو البدن وما سكن فيه. فأما أن يكون محَلُّها جوهرًا مجرَّدًا لا داخل العالم ولا خارجه فباطل بالضرورة.

الوجه الثالث عشر بعد المائة: أن النفس لو كانت مجردةً عن الحجميَّة والتحيُّز لامَتنعَ أن يتوقف فعلُها على مماسَّة محلِّ الفعل، لأنَّ ما لا يكون متحيِّزًا يمتنع أن يصير مماسًّا للمتحيز. ولو كان الأمر كذلك لكان فعلها على سبيل الاختراع، من غير حاجة إلى حصول مماسَّةٍ وملاقاة بين الفاعل وبين محلِّ الفعل؛ فكان الواحد منَّا يقدر على تحريك الأجسام من غير أن يُماسَّها أو يماسَّ شيئًا يماسُّها. فإن النفس عندكم كما كانت قادرةً على تحريك البدن من غير أن يكون بينها وبينه مماسَّة، كذلك لا تمتنع (٣) قدرتها على تحريك جسم غيره من غير (٤) مماسَّةٍ له ولا لما يماسُّه، وذلك باطل بالضرورة. فعُلِم


(١) كذا في (ج). وفي (غ): «فإن». ولما كان في الأصل وغيره: «أن» رجحنا قراءة (ج). انظر الحاشية السابقة. وفي النسخ المطبوعة: «وأن».
(٢) (ب، ط، ج، ن): «القدرة».
(٣) (ق): «لا تمنع».
(٤) «أن يكون بينها ... غير» ساقط من الأصل لانتقال النظر. وجزء من هذه العبارة ساقط من (غ).