للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحديث. مع أنَّ الحرص والأمل من القوى الجسمانية والصفات الخيالية، ثم إن ضعف البدن لم يُوجِب ضعفَ هاتين الصفتين، فعُلِم أنه لا يلزم من اختلالِ البدن وضعفِه ضعفُ الصفات البدنية.

الوجه الثامن: أنا نرى كثيرًا من الشيوخ يصيرون إلى الخَرَف وضعف العقل، بل هذا هو الأغلب. ويدل عليه قوله تعالى: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا} [النحل: ٧٠]. فالشيخ في أرذل عمره يصير كالطفل، أو أسوأ حالًا منه. وأما من لم يحصل له ذلك، فإنه لا يُرَدُّ إلى أرذل العمر.

الوجه التاسع: أنه لا تلازمَ (١) بين قوة البدن وقوةِ النفس، ولا بين ضعفه وضعفها. فقد يكون الرجل قويَّ البدنِ ضعيفَ النفسِ جبانًا خوَّارًا، وقد يكون ضعيفَ البدن قويَّ النفس، فيكون شجاعًا مِقدامًا على ضعف بدنه.

الوجه العاشر: أنه لو سَلِم لكم ما ذكرتم لم يدلَّ على كون النفس جوهرًا مجرَّدًا لا داخلَ العالم ولا خارجه، ولا هي في البدن (٢) ولا خارجةٌ عنه؛ لأنها إذا كانت جسمًا مشرقًا صافيًا (٣) سماويًّا مخالفًا للأجسام الأرضية لم تَقبل الانحلالَ والذبولَ والتبدُّلَ، كما تقبله الأجسام المتحلِّلة الأرضية (٤). فلا يلزم


(١) في (ق، ب): «يلزم». وفي الأصل دون نقط الياء، فلعله سهو، والمقصود ما أثبتنا من غيرها. وفي (غ): «لا يلزم من قوة البدن قوة النفس ولا من ضعفه ضعفها». ولعله تصرف من ناسخها.
(٢) «ضعيف النفس ... في البدن» ساقط من الأصل.
(٣) (ق): «صافيًا مشرقًا».
(٤) «لم تقبل ... الأرضية» ساقط من (ن، ز).