للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يغسل العائِنُ مغابنَهُ ومواضعَ القذر منه، ثم يُصَبَّ ذلك الماءُ على المَعِين، فإنه يزيلُ عنه تأثير نفسه فيه (١). وذلك بسبب (٢) أمرٍ طبيعي اقتضته حكمة الله سبحانه، فإن النفس الأمارة لها بهذه المواضع تعلُّقٌ وإلْفٌ، والأرواحُ الخبيثة الخارجية تساعدها، وتألف هذه المواضع غالبًا للمناسبة بينها وبينها. فإذا غُسِلتْ بالماء طَفِئَتْ تلك الناريَّةُ منها كانطفاءِ (٣) الحديدِ المُحْمَى بالماء، فإذا صُبَّ ذلك الماءُ على المصاب طفئ (٤) عنه تلك النارية التي وصلت إليه من العائن. وقد وصفَ الأطباء الماءَ الذي يُطفأ فيه الحديدُ لآلامٍ وأوجاع معروفة.

وقد جرَّب (٥) الناس من تأثير الأرواح بعضها في بعض عند تجرُّدها في المنام عجائبَ تفوت الحصر، وقد نبَّهنا على بعضها فيما مضى. فعالَمُ الأرواحِ عالَمٌ آخَر أعظَم من عالَم الأبدان، وأحكامُه وآثارُه أعجبُ من آثار الأبدان. بل كلُّ ما في العالم من الآثار الإنسانية فإنما هي من تأثير النفوس بواسطة البدن. فالنفوسُ والأبدانُ يتعاونان (٦) على التأثير تعاونَ المشتركين في الفعل. وتنفردُ النفس بآثار لا يشاركها فيها البدن، ولا يكون للبدن تأثيرٌ


(١) يشير إلى قصة سهل بن حنيف الذي عانه عامر بن ربيعة. أخرجها مالك في الموطأ (١٦٧٩) عن أبي أمامة بن سهل.
(٢) كذا في (أ، ن). وفي غيرهما: «سببُ».
(٣) هكذا في الأصل. وفي غيره: «كما يطفى».
(٤) رسمها في جميع النسخ: «طفا»، فتحتمل قراءة «طفَّى» بمعنى أطفأ، وهي عامية.
(٥) في الأصل: «درب»، ولعله تحريف. وكذا في (ق، ز، ن).
(٦) كذا بالياء في النسخ ما عدا الأصل الذي لم يعجم فيه أوله. وفي (ن، ز): «متعاونَين»، تحريف.